Pesan Rahbar

Home » , , , , » KETIKA KELAHIRAN NABI MUHAMMAD SAW (MAULID) DI TANGISI IBLIS

KETIKA KELAHIRAN NABI MUHAMMAD SAW (MAULID) DI TANGISI IBLIS

Written By Unknown on Monday 12 January 2015 | 17:51:00


Oleh: Ust. Doddy El-Hasyimi

Al Imam Al Hafizh Ibnu Katsir menukil sebuah riwayat :

البداية والنهاية – (ج 2 / ص 326)
حكى السهيلي عن تفسير بقي بن مخلد الحافظ أن ابليس رن أربع رنات: حين لعن، وحين أهبط، وحين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين أنزلت الفاتحة.

Link : http://islamport.com/d/3/tkh/1/16/179.html

_______________________________
زحل وثور تحت رجل يمينه * والنسر للاخرى وليث مرصد والشمس تبدو كل آخر ليلة * حمراء يصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق.
وفي رواية أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال إن الشمس لا تطلع حتى ينخسها سبعون ألف ملك يقول لها اطلعي اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فإذا همت بالطلوع أتاها شيطان يريد أن يثبطها فتطلع بين قرنيه وتحرقه فإذا تضيفت للغروب عزمت لله عزوجل فيأتيها شيطان يريد أن يثبطها عن السجود فتغرب من
قرنيه وتحرقه.
أورده ابن عساكر مطولا.
ومن شعره في حملة العرش: فمن حامل إحدى قوائم عرشه * ولولا إله الخلق كلوا وأبلدوا قيام على الاقدام عانون تحته * فرائصهم من شدة الخوف ترعد رواه ابن عساكر وروى عن الاصمعي أنه كان ينشد من شعر أمية: مجدوا الله فهو للمجد أهل * ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الاعلى الذي سبق الن * ناس وسوى فوق السماء سريرا شرجعا [ ما ] يناله بصر العي * - ن ترى دونه الملائك صورا ثم يقول الاصمعي: الملائك جمع ملك والصور جمع أصور وهو المائل العنق وهؤلاء حملة العرش.
ومن شعر أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان التيمي: أأذكر حاجتي أم قد كفاني * حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع * لك الحسب المهذب والسناء كريم لا يغيره صباح * عن الخلق الجميل ولا مساء يباري الريح مكرمة وجودا * إذا ما الكلب أحجره الشتاء وأرضك أرض مكرمة بنتها * بنو تيم وأنت لها سماء إذا أثنى عليك المرء يوما * كفاه من تعرضه الثناء وله فيه مدائح أخر.
وقد كان عبد الله بن جدعان هذا من الكرماء الاجواد الممحدين المشهورين وكان له جفنة يأكل الراكب منها وهو على بعيره من عرض حافتها وكثرة طعامها، وكان يملاها لباب البر يلبك بالشهد والسمن، وكان يعتق الرقاب ويعين على النوائب وقد سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم أينفعه ذلك ؟ فقال إنه لم يقل يوما من الدهر (رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) ومن شعر أمية البديع: لا ينكثون الارض عند سؤالهم * كتطلب العلات بالعيدان بل يسفرون وجوههم فترى لها * عند السؤال كأحسن الالوان

(2/288)


وإذا المقل أقام وسط رحالهم * ردوه رب صواهل وقيان وإذا دعوتهم لكل ملمة * سدوا شماع الشمس بالفرسان آخر ترجمة أمية بن أبي الصلت.
بحيرا الراهب الذي توسم في رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة وهو مع عمه أبي طالب حين قدم الشام في تجار من أهل مكة وعمره إذا ذاك اثنتي (1) عشرة سنة فرأى الغمامة تظله من بينهم.
فصنع لهم طعاما ضيافة واستدعاهم كما سيأتي بيان ذلك في السيرة وقد روى الترمذي في ذلك حديثا بسطنا الكلام عليه هنالك وقد أورد له الحافظ ابن عساكر شواهد وسائغات في ترجمة بحيرا ولم يورد ما رواه الترمذي وهذا عجب وذكر ابن عساكر أن بحيرا كان يسكن قرية يقال لها الكفر بينها وبين بصرى ستة أميال وهي التي يقال لها (دير بحيرا) قال ويقال: إنه كان يسكن قرية يقال لها منفعة بالبلقاء وراء زيرا والله أعلم.
ذكر قس بن ساعدة الايادي قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب " هواتف الجان ": حدثنا داود القنطري، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني أبو عبد الله المشرقي، عن أبي الحارث الوراق، عن ثور بن يزيد، عن مورق العجلي، عن عبادة بن الصامت.
قال: لما قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر وفد إياد ما فعل قس بن ساعدة الايادي ".
قالوا: هلك يا رسول الله.
قال: " لقد شهدته يوما بسوق عكاظ على جمل أحمر يتكلم بكلام معجب مونق لا أجدني أحفظه ".
فقام إليه أعرابي من أقاصي القوم فقال: أنا أحفظه يارسول الله.
قال: فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: " فكان بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول: يا معشر الناس اجتمعوا فكل من فات فات، وكل شئ آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحر عجاج، نجوم تزهر، وجبال مرسية، وأنهار مجرية، إن في السماء لخبرا، وإن في الارض لعبرا، مالي أرى
الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالاقامة فأقاموا، أم تركوا فناموا.
أقسم قس بالله قسما لا ريب فيه.
إن لله دينا هو أرضى من دينكم هذا ثم أنشأ يقول: في الذاهبين الاولي * ن من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها * يمضي الاصاغر والاكابر لا من مضى يأتي الي * ك ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محا * لة حيث صار القوم صائر وهذا إسناد غريب من هذا الوجه وقد رواه الطبراني من وجه آخر فقال في كتابه " المعجم
__________
(1) في الاصل اثني وهو خطأ.
[ * ]
(2/289)

الكبير ": حدثنا محمد بن السري بن مهران بن الناقد البغدادي، حدثنا محمد بن حسان السهمي، حدثنا محمد بن الحجاج، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس.
قال: قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أيكم يعرف القس بن ساعدة الايادي ".
قالوا: كلنا يعرفه يا رسول الله.
قال: " فما فعل " ؟ قالوا: هلك، قال: فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام وهو على جمل أحمر وهو يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت.
إن في السماء لخبرا، وإن في الارض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تغور.
وأقسم قس قسما حقا لئن كان في الامر رضي ليكون بعده سخط.
إن لله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه.
مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون.
أرضوا بالمقام فأقاموا.
أم تركوا فناموا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفيكم من يروي شعره ؟ فأنشده بعضهم: في الذاهبين الاولي * - ن من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا * للموت ليس ما مصادر
ورأيت قومي نحوها * يسعي الاصاغر والاكابر لا يرجع الماضي إلي * ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محا * لة حيث صار القوم صائر وهكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة من طريق محمد بن حسان السلمي به.
وهكذا رويناه في الجزء الذي جمعه الاستاذ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه في أخبار قس قال حدثنا عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي عن سعيد بن شبيب، عن محمد بن الحجاج، عن إبراهيم الواسطي نزيل بغداد، ويعرف بصاحب الفريسة.
وقد كذبه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والدارقطني واتهمه غير واحد منهم ابن عدي بوضع الحديث.
وقد رواه البزار وأبو نعيم من حديث محمد بن الحجاج هذا ورواه ابن درستويه وأبو نعيم من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهذه الطريق أمثل من التي قبلها وفيه: إن أبا بكر هو الذي أورد القصة بكمالها نظمها ونثرها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث أحمد بن موسى بن إسحاق الحطمي.
حدثنا علي بن الحسين بن محمد المخزومي حدثنا أبو حاتم السجستاني حدثنا وهب بن جرير عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس.
قال قدم وفد بكر بن وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " ما فعل حليف لكم يقال له قس بن ساعدة الايادي " وذكر القصة مطولة.
وأخبرنا الشيخ المسند الرحلة أحمد بن أبي طالب الحجار إجازة إن لم يكن سماعا قال أجاز لنا جعفر بن علي الهمداني قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي سماعا وقرأت على شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن أبي بكر الخلال سماعا قال أنا جعفر بن علي سماعا قال أنا السلفي سماعا
(2/290)

أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي أنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد السعدي - قاضي فارس - حدثنا أبو داود
سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي من أهل حران حدثنا أبو عمرو سعيد بن يربع عن محمد بن إسحاق حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال: كان الجارود بن المعلى بن حنش بن معلى العبدي نصرانيا حسن المعرفة بتفسير الكتب وتأويلها عالما بسير الفرس وأقاويلها بصيرا بالفلسفة والطب ظاهر الدهاء والادب كامل الجمال ذا ثروة ومال وأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وافدا في رجال من عبد القيس ذوي اراء وأسنان وفصاحة وبيان وحجج وبرهان فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين يديه وأشار إليه وأنشأ يقول: يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت فدفدا وآلا فآلا وطوت نحوك الصحاصح تهوى * لا تعد الكلال فيك كلالا كل بهماء قصر الطرف عنها * أرقلتها قلاصنا ارقالا وطوتها العتاق يجمح فيها * بكماة كأنجم تتلألأ تبتغي دفع بأس يوم عظيم * هائل أوجع القلوب وهالا ومزادا لمحشر الخلق طرا * وفراقا لمن تمادى ضلالا نحو نور من الاله وبرها * ن وبر ونعمة أن تنالا خصك الله يا بن آمنة الخ * - ير بها إذ أتت سجالا سجالا فاجعل الحظ منك يا حجة الل * ه جزيلا لاحظ خلف أحالا قال فأدناه النبي صلى الله عليه وسلم وقرب مجلسه وقال له.
يا جارود لقد تأخر الموعود بك وبقومك.
فقال الجارود: فداك أبي وأمي أما من تأخر عنك فقد فاته حظه وتلك أعظم حوبة وأغلظ عقوبة وما كنت فيمن رآك أو سمع بك فعداك واتبع سواك وإني الآن على دين قد علمت به قد جئتك وها أنا تاركه لدينك أفذلك مما يمحص الذنوب والمآثم والحوب ؟ ويرضى الرب عن المربوب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ضامن لك ذلك واخلص الآن لله بالوحدانية ودع عنك دين النصرانية.
فنال الجارود: فداك أبي وأمي مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك محمد عبده ورسوله.
قال: فأسلم وأسلم معه أناس من قومه فسر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، وأظهر من
إكرامهم ما سروا به وابتهجوا به.
ثم أقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الايادي فقال الجارود فداك أبي وأمي كلنا نعرفه وإني من بينهم لعالم بخبره واقف على أمره كان قس يارسول الله سبطا من أسباط العرب عمر ستمائة سنة تقفز منها خمسة أعمار في البراري والقفار يضج بالتسبيح على مثال المسيح لا يقره قرار ولا تكنه دار ولا يستمتع به جار.
كان يلبس الامساح ويفوق السياح، ولا يفتر من رهبانيته يتحسى في سياحته بيض النعام ويأنس بالهوام،
(2/291)

ويستمتع بالظلام، يبصر فيعتبر، ويفكر فيختبر، فصار لذلك واحدا تضرب بحكمته الامثال، وتكشف به الاهوال.
أدرك رأس الحواريين سمعان، وهو أول رجل تأله من العرب ووحد، وأقر وتعبد، وأيقن بالبعث والحساب، وحذر سوء المآب، وأمر بالعمل قبل الفوت، ووعظ بالموت وسلم بالقضاء، على السخط والرضا، وزار القبور، وذكر النشور، وندب بالاشعار، وفكر في الاقدار، وأنبأ عن السماء والنماء، وذكر النجوم وكشف الماء، ووصف البحار، وعرف الآثار، وخطب راكبا، ووعظ دائبا، وحذر من الكرب، ومن شدة الغضب، ورسل الرسائل، وذكر كل هائل، وأرغم في خطبه، وبين في كتبه، وخوف الدهر، وحذر الازر، وعظم الامر، وجنب الكفر، وشوق إلى الحنيفية، ودعا إلى اللاهوتية.
وهو القائل في يوم عكاظ.
شرق وغرب، ويتم وحزب، وسلم وحرب، ويابس ورطب، وأجاج وعذب، وشموس وأقمار، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وأناث وذكور، وبرار وبحور، وحب ونبات، وآباء وأمهات، وجمع واشتات، وآيات في إثرها آيات، ونور وظلام، ويسر وإعدام، ورب وأصنام، لقد ضل الانام، نشو مولود، ووأد مفقود، وتربية محصود، وفقير وغني، ومحسن ومسئ، تبا لارباب الغفلة، ليصلحن العامل عمله، وليفقدن الآمل أمله، كلا بل هو إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وأمات وأحيا، وخلق الذكر والانثى، رب الآخرة والاولى.
أما بعد: فيا معشر إياد، أين ثمود وعاد ؟ وأين الآباء والاجداد ؟ وأين العليل والعواد ؟ كل له معاد يقسم قس برب العباد، وساطح المهاد، لتحشرن على الانفراد، في يوم التناد، إذا نفخ في الصور، ونقر في
الناقور، وأشرقت الارض، ووعظ الواعظ، فانتبذ القانط وأبصر اللاحظ، فويل لمن صدف عن الحق الاشهر، والنور الازهر، والعرض الاكبر، في يوم الفصل، وميزان العدل، إذا حكم القدير، وشهد النذير، وبعد النصير، وظهر التقصير، ففريق في الجنة وفريق في السعير.
وهو القائل: ذكر القلب من جواه ادكار * وليال خلالهن نهار وسجال هو اطل من غمام * ثرن ماء وفي جواهن نار ضوءها يطمس العيون وأرعا * دشداد في الخافقين تطار وقصور مشيدة حوت الخ * - ير وأخرى خلت بهن قفار وجبال شوامخ راسيات * وبحار مياههن غزار ونجوم تلوح في ظلم اللي * - ل نراها في كل يوم تدار ثم شمس يحثها قمر اللي * - ل وكل متابع موار وصغير وأشمط وكبير * كلهم في الصعيد يوما مزار وكبير مما يقصر عنه * حدسه الخاطر الذي لا يحار فالذي قد ذكرت دل على الل * ه نفوسا لها هدى واعتبار
(2/292)

قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهما نسيت فلست أنساه بسوق عكاظ، واقفا على جمل أحمر يخطب الناس: اجتمعوا فاسمعوا، وإذا سمعتم فعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا، وقولوا وإذا قلتم فاصدقوا، من عاش مات، ومن مات فات، ولك ما هو آت آت، مطر ونبات، واحياء وأموات، ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وضوء وظلام، وليل وأيام، وبر وآثام، إن في السماء خبرا، وإن في الارض عبرا، يحار فيهن البصرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تغور، وبحار لا تفور، ومنايا دوان، ودهر خوان، كحد النسطاس، ووزن القسطاس.
اقسم قس قسما، لا كاذبا فيه ولا آثما، لئن كان في هذا الامر
رضي، ليكونن سخط.
ثم قال: أيها الناس إن لله دينا هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه وهذا زمانه وأوانه.
ثم قال مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، ارضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا فناموا.
والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى بعض أصحابه فقال: أيكم يروي شعره لنا ؟ فقال أبو بكر الصديق: فداك أبي وأمي أنا شاهد له في ذلك اليوم حيث يقول: في الذاهبين الاولي * - ن من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها * يمضي الاصاغر والاكابر لا يرجع الماض إلي * ي ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محا * لة حيث صار القوم صائر قال: فقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخ من عبد القيس عظيم الهامة، طويل القامة، بعيد ما بين المنكبين فقال: فداك أبي وأمي وأنا رأيت من قس عجبا.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الذي رأيت يا أخا بني عبد القيس ؟ فقال: خرجت في شبيبتي أربع بعيرا لي فدعني أقفو أثره في تنائف قفاف ذات ضغابيس وعرصات جثجاث بين صدور جذعان، وغمير حوذان، ومهمه ظلمان، ورصيع ليهقان، فبينا أنا في تلك القلوات أجول بسبسبها وأرنق فدفدها إذا أنا بهضبة في نشزاتها أراك كباث مخضوضلة واغصانها متهدلة كأن بريرها حب الفلفل وبواسق اقحوان، وإذا بعين خرارة وروضة مدهامة، وشجرة عارمة، وإذا أنا بقس بن ساعدة في أصل تلك الشجرة وبيده قضيب.
فدنوت منه وقلت له: أنعم صباحا ! فقال: وأنت فنعم صباحك ! وقد وردت العين سباع كثيرة فكان كلما ذهب سبع منها يشرب من العين قبل صاحبه ضربه قس بالقضيب الذي بيده.
وقال: اصبر حتى يشرب الذي قبلك فذعرت من ذلك ذعرا شديدا، ونظر إلي فقال لا تخف.
وإذا بقبرين بينهما مسجد فقلت ما هذان ؟ القبران ؟ قال قبر أخوين كانا يعبدان الله عز وجل بهذا الموضع فأنا مقيم بين قبريهما عبد الله حتى الحق بهما.
فقلت له: أفلا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم وتبيانهم على شرهم ؟ فقال لي: ثكلتك أمك أو ما علمت أن ولد
إسماعيل تركوا دين أبيهم واتبعوا الاضداد وعظموا الانداد ثم أقبل على القبرين وانشأ يقول:
(2/293)

خليلي هبا طالما قد رقدتما * أجد كما لا تقضيان كراكما أرى النوم بين الجلد والعظم منكما * كأن الذي يسقي العقار سقاكما أمن طول نوم لا تجيبان داعيا * كأن الذي يسقي العقار سقاكما ألم تعلما أني بنجران مفردا * ومالي فيه من حبيب سواكما مقيم على قبريكما لست بارحا * إياب الليالي أو يجيب صداكما أأبكيكما طول الحياة وما الذي * يرد على ذي لوعة أن بكاكما فلو جعلت نفس لنفس أمرئ فدى * لجدت بنفسي أن تكون فداكما كأنكما والموت أقرب غاية * بروحي في قبريكما قد أتاكما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله قسا أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة واحدة.
وهذا الحديث غريب جدا من هذا الوجه وهو مرسل إلا أن يكون الحسن سمعه من الجارود والله أعلم.
وقد رواه البيهقي: والحافظ أبو القاسم بن عساكر من وجه آخر من حديث محمد بن عيسى ابن محمد بن سعيد القرشي الاخباري ثنا أبي ثنا علي بن سليمان بن علي عن علي بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
قال: قدم الجارود بن عبد الله فذكر مثله أو نحوه مطولا بزيادات كثيرة في نظمه ونثره، وفيه ما ذكره عن الذي ضل بعيره فذهب في طلبه قال فبت في واد لا آمن فيه حتفي، ولا أركن إلى غير سيفي، أرقب الكوكب، وأرمق الغيهب، حتى إذا الليل عسعس، وكاد الصبح أن يتنفس، هتف بي هاتف يقول: يا أيها الراقد في الليل الاجم * قد بعث الله نبيا في الحرم من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجيات الدياجي والبهم قال فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا ولا سمعت له فحصا، قال فأنشأت أقول: يا أيها الهاتف في داجي الظلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم * ماذا الذي تدعو إليه يغتنم قال فإذا أنا بنحنحة وقائلا يقول: ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمدا بالحبور صاحب النجيب الاحمر، والتاج والمغفر، والوجه الازهر، والحاجب الاقمر، والطرف الاحور، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله وذلك محمد المبعوث إلى الاسود والابيض أهل المدر والوبر ثم أنشأ يقول: الحمد لله الذي * لم يخلق الخلق عبث لم يخلنا يوما سدى * من بعد عيسى واكترث أرسل فينا أحمدا * خير نبي قد بعث صلى عليه الله ما * حج له ركب وحث
(2/294)

وفيه من إنشاء قس بن ساعدة: يا ناعى الموت والملحود في جدث * عليهم من بقايا قولهم خرق دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم * فهم إذا انتبهوا من نومهم أرقوا حتى يعودوا بحال غير حالهم * خلقا جديدا كما من قبله خلقوا منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها المنهج الخلق ثم رواه البيهقي عن محمد بن عبد الله بن يوسف بن أحمد الاصبهاني.
حدثنا أبو بكر أحمد بن سعيد بن فرضخ الاخميمي بمكة ثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي ثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
فذكر القصة وذكر الانشاد قال فوجد واعبد رأسه صحيفة فيها: يا ناعي الموت والاموات في جدث * عليهم من بقايا نومهم خرق دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم * كما تنبه من نوماته الصعق منهم عراة وموتى في ثيابهم * منها الجديد ومنها الازرق الخلق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق لقد آمن قس بالبعث.
وأصله مشهور وهذه الطرق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة وقد تكلم أبو محمد بن درستويه على غريب ما وقع في هذا الحديث وأكثره ظاهر إن شاء الله تعالى وما كان فيه غرابة شديدة نبهنا عليه في الحواشي.
وقال البيهقي: أنا أبو سعيد بن محمد بن أحمد الشعيثي ثنا أبو عمرو بن أبي طاهر المحمدي آباذي لفظا ثنا أبو لبابة محمد بن المهدي الاموردي ثنا أبي ثنا سعيد بن هبيرة ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس بن مالك قال قدم وفد أياد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل قس بن ساعدة ! قالوا هلك.
قال أما إني سمعت منه كلاما أرى أني أحفظه فقال بعض القوم نحن نحفظه يا رسول الله قال هاتوا: فقال قائلهم إني واقف بسوق عكاظ فقال: يا أيها الناس استمعوا واسمعوا وعوا، كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرسية وأنها مجرية إن في السماء لخبرا، وإن في الارض لعبرا، أرى الناس يموتون ولا يرجعون أرضوا بالاقامة فأقاموا، أم تركوا فناموا، أقسم قس قسما بالله لا آثم فيه، إن لله دينا هو أرضى مما أنتم عليه ثم أنشأ يقول: في الذاهبين الاول * ين من القرون لنا بصائر لما رأيت مصارعا * للقوم ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها * يمضي الاكابر والاصاغر أيقنت أني لا محا * لة حيث صار القوم صائر [ * ]
(2/295)

ثم ساقه البيهقي من طرق أخر قد نبهنا عليها فيما تقدم ثم قال بعد ذلك كله وقد روى هذا الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بزيادة ونقصان.
وروى من وجه آخر عن الحسن البصري منقطعا وروى مختصرا من حديث سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة.
قلت: وعبادة بن الصامت كما تقدم وعبد الله بن مسعود كما رواه أبو نعيم في كتاب الدلائل عن
عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي عن أبي الوليد طريف بن عبيد الله مولى علي بن أبي طالب بالموصل عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود فذكره.
وروى أبو نعيم أيضا حديث عبادة المتقدم وسعد بن أبي وقاص.
ثم قال البيهقي وإذا روى الحديث من أوجه أخر وإن كان بعضها ضعيفا دل على أن للحديث أصلا والله أعلم.
زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي.
وكان الخطاب والد عمر بن الخطاب عمه وأخاه لامه وذلك لان عمرو بن نفيل كان قد خلف على امرأة أبيه بعد أبيه، وكان لها من نفيل أخوه الخطاب قاله الزبير بن بكار ومحمد بن إسحاق.
وكان زيد بن عمرو قد ترك عبادة الاوثان وفارق دينهم وكان لا بأكل إلا ما ذبح على اسم الله وحده.
قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري.
ثم يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم ثم يسجد على راحلته.
وكذا رواه أبو أسامة عن هشام به وزاد وكان يصلي إلى الكعبة ويقول إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم.
وكان يحيى الموؤودة ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها ادفعها إلي أكفلها فإذا ترعرعت فإن شئت فخذها وإن شئت فادفعها.
أخرجه النسائي من طريق أبي أسامة وعلقه البخاري فقال: وقال الليث كتب إلى هشام بن عروة عن أبيه به وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: وقد كان نفر من قريش زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى وعبد الله بن جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن برة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسعد بن أسد بن خزيمة.
وأمه أميمة بنت عبد المطلب.
واخته زينب بنت جحش التى تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مولاه زيد بن حارثة كما
سيأتي بيانه.
حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض وقالوا تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض.
فقال قائلهم تعلمن والله ما قومكم على شئ لقد أخطأوا دين إبراهيم وخالفوه ما وثن يعبد ؟ لا يضر ولا ينفع فابتغوا لانفسكم فخرجوا يطلبون ويسيرون في الارض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل
(2/296)

كلها.
الحنيفية دين إبراهيم، فلما ورقة بن نوفل فتنصر واستحكم في النصرانية وابتغى الكتب من أهلها حتى علم علما كثيرا من أهل الكتاب ولم يكن فيهم أعدل أمرا واعدل ثباتا من زيد بن عمرو بن نفيل اعتزل الاوثان وفارق الاديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين الحنيفية دين إبراهيم يوحد الله ويخلع من دونه ولا يأكل ذبائح قومه فإذا هم بالفراق لما هم فيه.
قال: وكان الخطاب قد آذاه أذى كثيرا حتى خرج منه إلى أعلى مكة ووكل به الخطاب شبابا من قريش وسفهاء من سفهائهم فقال لا تتركوه يدخل فكان لا يدخلها إلا سرا منهم فإذا علموا به أخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم أو يتابعه أحد إلى ما هو عليه.
وقال موسى بن عقبة سمعت من أرضى يحدث عن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء ماء وأنبت لها من الارض لم تذبحوها على غير اسم الله.
انكارا لذلك وإعظاما له ؟ وقال يونس عن ابن إسحاق وقد كان زيد بن عمرو بن نفيل قد عزم على الخروج من مكة فضرب في الارض يطلب الحنيفية دين إبراهيم وكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض للخروج وأراده آدنت الخطاب بن نفيل فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الاول دين إبراهيم ويسأل عنه ولم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى راهبا ببيعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال له الراهب إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس من علمه وذهب من كان يعرفه، ولكنه قد أظل خروج نبي وهذا زمانه.
وقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئا منها فخرج سريعا حين قال له الراهب ما
قال يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه فقال ورقة يرثيه: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من النار حاميا بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كماهيا وقد تدرك الانسان رحمة ربه * ولو كان تحت الارض ستينا واديا وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن طارق الوابشي ثنا عمرو بن عطية عن أبيه عن ابن عمر عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه كان يتأله في الجاهلية فانطلق حتى أتى رجلا من اليهود فقال له أحب أن تدخلني معك في دينك.
فقال له اليهودي لا أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من غضب الله.
فقال من غضب الله أفر.
فانطلق حتى أتى نصرانيا فقال له أحب أن تدخلني معك في دينك، فقال لست أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من الضلالة.
فقال من الضلالة أفر.
قال له النصراني فإني أدلك على دين إن تبعته اهتديت.
قال أي دين ؟ قال دين إبراهيم قال فقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم عليه أحيى وعليه أموت.
قال فذكر شأنه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: هو أمة وحده يوم القيامة.
وقد روى موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر نحو هذا وقال محمد بن سعد حدثنا علي بن محمد بن عبد الله بن سيف القرشي عن اسماعيل عن مجالد
(2/297)

عن الشعبي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قل قال زيد بن عمرو بن نفيل: شاممت اليهودية والنصرانية فكرهتهما فكنت بالشام وما والاها حتى أتيت راهبا في صومعة فذكرت له اغترابي عن قومي وكراهتي عبادة الاوثان واليهودية والنصرانية.
فقال له: أراك تريد دين إبراهيم يا أخا أهل مكة إنك لتطلب دينا ما يوجد اليوم (أحد يدين) به وهو دين أبيك إبراهيم كان حنيفا لم يكن يهوديا ولا نصرانيا كان يصلي ويسجد إلى هذا البيت الذي ببلادك فالحق ببلدك فإن الله يبعث من قومك في بلدك من يأتي بدين إبراهيم الحنيفية وهو أكرم الخلق على الله.
وقال يونس عن ابن إسحاق حدثني بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل: إن زيدا كان إذا دخل الكعبة قال لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، عذت بما عاذ به إبراهيم وهو قائم، إذ قال إلهي أنفي لك عان راغم، مهما
تجشمني فإني جاشم، البر أبغي لا انحال، ليس مهجر كمن قال.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي.
عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي عن أبيه عن جده أن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو من أين أقبلت يا صاحب البعير ؟ فقال من بنية إبراهيم، فقال وما تلتمس قال ألتمس الدين قال ارجع فإنه يوشك أن يظهر في أرضك.
قال: فأما ورقة فتنصر وأما أنا فعزمت على النصرانية فلم يوافقني فرجع وهو يقول: لبيك حقا حقا * تعبدا ورقا البر أبغي لا انحال * فهل مهجر كمن قال آمنت بما آمن به إبراهيم وهو يقول: انفي لك عان راغم، مهما تجشمني فإني جاشم، ثم يخر فيسجد قال وجاء ابنه يعني سعيد بن زيد أحد العشرة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله إن أبي كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة.
قال وأتى زيد بن عمرو بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما، فدعواه لطعامهما فقال زيد بن عمرو: يا بن أخي أنا لا آكل مما ذبح على النصب.
وقال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمرو حدثني أبو بكر بن أبي سبرة عن موسى بن ميسرة عن ابن أبي مليكة عن حجر بن أبي أهاب.
قال: رأيت زيد بن عمرو وأنا عند صنم بوانة بعدما رجع من الشام وهو يراقب الشمس فإذا زالت استقبل للكعبة فصلى ركعة سجدتين ثم يقول هذه قبلة إبراهيم وإسماعيل لا أعبد حجرا ولا أصلي له ولا آكل ما ذبح له ولا استقسم الازلام وإنا أصلي لهذا البيت حتى أموت.
وكان يحج فيقف بعرفة، وكان يلبي فيقول: لبيك لا شريك لك ولا ند لك ثم يدفعه من عرفة ماشيا وهو يقول لبيك متعبدا مرقوقا.
وقال الواقدي: حدثني علي بن عيسى الحكمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال سمعت زيد ابن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أو من به وأصدقه وأشهد أنه نبي فان طالت بك مدة فرأيته فاقرئه مني السلام وسأخبرك
(2/298)

ما نعته حتى لا يخفى عليك قلت: هلم ! قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد وهذا البلد مولده ومبعثه ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكان من اسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون هذا الدين وراءك وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون لم يبق نبي غيره.
قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول زيد بن عمرو وأقرائه منه السلام فرد عليه السلام وترحم عليه وقال قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا.
وقال البخاري في صحيحه: ذكر زيد بن عمرو بن نفيل.
حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة فأبى أن يأكل منها.
ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه وأن زيد بن عمرو يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء ماء وأنبت لها من الارض ثم يذبحونها على غير اسم الله انكارا لذلك وإعظاما له.
قال موسى بن عقبة: وحدثني سالم بن عبد الله ولا أعلمه إلا يحدث به عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني، فقال إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله قال زيد وما أفر إلا من غضب الله تعالى ولا أحمل من غضب الله شيئا ولا أستطيعه فهل تدلني على غيره ؟ قال ما أعلمه إلا أن تكون حنيفا قال زيد وما الحنيف ؟ قال دين إبراهيم عليه السلام لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر مثله فقال لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من على غيره قال ما أعلمه إلا أن تكون حنيفا قال وما الحنيف ؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فلما رأى زيد قولهم في
إبراهيم خرج فلما برز رفع يديه فقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم.
قال وقال الليث: كتب إلى هشام بن عروة عن أبيه عن اسماء بنت أبي بكر قالت رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري وكان يحيي الموؤودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لابيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها انتهى ما ذكره البخاري.
وهذا الحديث الاخير قد أسنده الحافظ ابن عساكر من طريق أبي بكر بن أبي داود عن عيسى بن حماد عن الليث عن هشام عن أبيه عن اسماء فذكر نحوه.
وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت سمعت زيد بن عمرو بن نفيل وهو مسند ظهره إلى
(2/299)

الكعبة يقول: يا معشر قريش إياكم والزنا فإنه يورث الفقر.
وقد ساق ابن عساكر هاهنا أحاديث غريبة جدا وفي بعضها نكارة شديدة.
ثم أورد من طرق متعددة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يبعث يوم القيامة أمة واحدة.
فمن ذلك ما رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا يوسف بن يعوقب الصفار حدثنا يحيى بن سعيد الاموي عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه كان يستقبل القبلة في الجاهلية ويقول إلهي إله إبراهيم وديني دين إبراهيم ويسجد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر ذاك أمة وحده بيني وبين عيسى بن مريم.
إسناده جيد حسن.
وقال الواقدي: حدثني موسى بن شيبة عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك قال سمعت سعيد بن المسيب يذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال توفي وقريش تبني الكعبة قبل أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، ولقد نزل به وأنه ليقول أنا على دين إبراهيم فأسلم ابنه سعيد بن زيد واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال: غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم قال فكان المسلمون بعد ذلك اليوم لا يذكره ذاكر منهم إلا ترحم عليه واستغفر له، ثم يقول سعيد بن المسيب رحمه الله وغفر له.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي حدثني زكريا بن يحيى السعدي عن أبيه قال مات
زيد بن عمرو بن نفيل بمكة ودفن بأصل حراء، وقد تقدم أنه مات بأرض البلقاء من الشام لما عدا عليه قوم من بني لخم فقتلوه بمكان يقال له ميفعة والله أعلم.
وقال الباغندي عن أبي سعيد الاشج عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين.
وهذا إسناد جيد وليس هو في شئ من الكتب.
ومن شعر زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله ما قدمناه في بدء الخلق من تلك القصيدة: إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رضيا لا يني الدهر باقيا إلى الملك الاعلى الذي ليس فوقه * إله ولا رب يكون مدانيا وقد قيل إنها لامية بن أبي الصلت والله أعلم.
ومن شعره في التوحيد ما حكاه محمد بن إسحاق والزبير بن بكار وغيرهما: وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الارض تحمل صخرا ثقالا دحاها فلما استوت شدها * سواء وأرسى عليها الجبالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا إذا هي سيقت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليها سجالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الريح تصرف حالا فحالا وقال محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة قال روي أبي أن زيد بن عمرو قال:
(2/300)

أرب واحد أم ألف رب * أدين إذا تقسمت الامور عزلت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمي بني عمرو أزور ولا غنما أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ حلمي يسير عجبت وفي الليالي معجبات * وفي الايام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا * كثيرا كان شأنهم الفجور وابقى آخرين ببر قوم * فيربل منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوما * كما يتروح الغصن النضير ولكن أ عبد الرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب الغفور فتقوى الله ربكم احفظوها * متى ما تحفظوها لا تبوروا ترى الابرار دارهم جنان * وللكفار حامية سعير وخزي في الحياة وإن يموتوا * يلاقوا ما تضيق به الصدور هذا تمام ما ذكره محمد بن إسحاق من هذه القصيدة.
وقد رواه أبو القاسم البغوي عن مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال زيد بن عمرو بن نفيل: عزلت الجن والجنان عني * كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمي بني طسم أدير ولا غنما أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ حلمي صغير أربا واحدا أم ألف رب * أدين إذا تقسمت الامور ألم تعلم بأن الله أفنى * رجالا كان شأنهم الفجور وابقى آخرين ببر قوم * فيربو منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوما * كما يتروح الغصن النضير قالت فقال ورقة بن نوفل: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من النار حاميا لدينك ربا ليس ربا كمثله * وتركك جنان الجبال كما هيا أقول إذا أهبطت أرضا مخوفة * حنانيك لا تظهر علي الاعاديا حنانيك أن الجن كانت رجاءهم * وأنت إلهي ربنا ورجائيا
لتدركن المرء رحمة ربه * وإن كان تحت الارض سبعين واديا أدين لرب يستجيب ولا أرى * أدين لمن لا يسمع الدهر واعيا أقول إذا صليت في كل بيعة * تباركت قد أكثرت باسمك داعيا
(2/301)

تقدم أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام هو وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وعبيد الله بن جحش فتنصروا إلا زيدا فإنه لم يدخل في شئ من الاديان بل بقي على فطرته من عبادة الله وحده لا شريك له متبعا ما أمكنه من دين إبراهيم على ما ذكرناه.
وأما ورقة بن نوفل فسيأتي خبره في أول المبعث.
وأما عثمان بن الحويرث فأقام بالشام حتى مات فيها عند قيصر.
وله خبر عجيب ذكره الاموي ومختصره أنه لما قدم على قيصر فشكى إليه ما لقي من قومه كتب له إلى ابن جفنة ملك عرب الشام ليجهز معه جيشا لحرب قريش فعزم على ذلك فكتب إليه الاعراب تنهاه عن ذلك لما رأوا من عظمة مكة وكيف فعل الله بأصحاب الفيل، فكساه ابن جفنة قميصا مصبوغا مسموما فمات من سمه فرثاه زيد بن عمرو بن نفيل بشعر ذكره الاموي تركناه اختصارا وكانت وفاته قبل المبعث بثلاث سنين أو نحوها والله سبحانه وتعالى أعلم.
شئ من الحوادث في زمن الفترة فمن ذلك بنيان الكعبة وقد قيل: إن أول من بناه آدم وجاء في ذلك حديث مرفوع عن عبد الله بن عمرو وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وأقوى الاقوال أن أول من بناه الخليل عليه السلام.
كما تقدم وكذلك رواه سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب قال: ثم تهدم فبنته العمالقة ثم تهدم فبنته جرهم ثم تهدم فبنته قريش.
قلت: سيأتي بناء قريش له وذلك قبل المبعث بخمس سنين وقيل بخمس عشرة سنة وقال الزهري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الحلم.
وسيأتي ذلك كله في موضعه إن شاء الله وبه الثقة.
كعب بن لؤي
روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن محمد بن طلحة التيمي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة.
قال: كان كعب بن لؤي يجمع قومه يوم الجمعة وكانت قريش تسميه العروبة فيخطبهم فيقول: أما بعد فأسمعوا وتعلموا، وافهموا واعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح، والارض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، والاولون كالآخرين، والانثى والذكر والروح وما يهيج إلى بلى فصلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وثمروا أموالكم.
فهل رأيتم من هالك رجع ؟ أو ميت نشر ؟ الدار أمامكم، والظن غير ما تقولون، حرمكم زينوه وعظموه، وتمسكوا به فسيأتي له نبأ عظيم ; وسيخرج منه نبي كريم، ثم يقول: نهار وليل كل يوم بحادث * سواء علينا ليلها ونهارها يؤوبان بالاحداث حتى تأوبا * وبالنعم الضافي علينا ستورها على غفلة يأتي النبي محمد * فيخبر أخبارا صدوق خبيرها ثم يقول: والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر، ويد ورجل، لتنصبت فيها تنصب الجمل،
(2/302)

ولارقلت بها إرقال العجل.
ثم يقول: يا ليتني شاهدا نجواء دعوته * حين العشيرة تبغي الحق خذلانا قال وكان بين موت كعب بن لؤي ومبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة عام وستون سنة.
تجديد حفر زمزم على يدي عبد المطلب بن هاشم التي كان قد درس رسمها بعد طم جرهم لها إلى زمانه.
قال محمد بن إسحاق: ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر وكان أول ما ابتدى به عبد المطلب من حفرها كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله المزني عن عبد الله بن رزين الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها.
قال قال عبد المطلب إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال لي احفر طببة.
قال قلت وما طيبة ؟ قال ثم ذهب عني قال فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فجاءني فقال احفر برة.
قال قلت وما برة ؟ قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فجاءني فقال احفر المضنونة قال قلت وما المضنونة ؟ قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني قال احفر زمزم.
قال قلت وما زمزم ؟ قال: لا تنزف أبدا ولا تزم، تسقي الحجيج الاعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الاعصم، عند قرية النمل.
قال: فلما بين لي شأنها ودل على موضعها وعزف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب وليس له يومئذ ولد غيره فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطمى كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته.
فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر ابينا اسماعيل وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها.
قال: ما أنا بفاعل إن هذا الامر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا له فانصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها.
قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا كاهنة بني سعد بن هذيم قال: نعم وكانت بإشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أمية وركب من كل قبيلة من قريش نفر فخرجوا والارض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعضها نفد ماء عبد المطلب وأصحابه فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم فأبوا عليهم وقالوا إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فقال عبد المطلب إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخرهم رجلا واحدا فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه.
فقالوا: نعما أمرت به فحفر كل رجل لنفسه حفرة ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى ثم إن عبد المطلب قال لاصحابه ألقينا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الارض لا نبتغي لانفسنا لعجز فعسى أن يزرقنا ماء ببعض البلاد فارتحلوا حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستسقوا حتى ملاوا أسقيتهم ثم دعا قبائل قريش وهم ينظرون إليهم في جميع هذه الاحوال فقال هلموا إلى الماء فقد سقانا الله فجاؤوا فشربوا واستقوا
(2/303)

كلهم ثم قالوا قد والله قضى لك علينا والله ما نخاصمك في زمزم أبدا إن الذي سقاك هذا الماء بهذه
الفلاة هو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم.
قال ابن إسحاق فهذا ما بلغني عن علي بن أبي طالب في زمزم قال ابن إسحاق وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم: ثم ادع بالماء الروى غير الكدر * يسقي حجيج الله في كل مبر ليس يخاف منه شئ ما عمر قال فحرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش فقال تعلموا أني قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا فهل بين لك أين هي ؟ قال: لا ! قالوا فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت فإن يك حقا من الله يبين لك وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك فرجع ونام فأتى فقيل له: احفر زمزم.
إنك إن حفرتها لن تندم.
وهي تراث من أبيك الاعظم.
لا تنزف أبدا ولا تزم.
تسقى الحجيج الاعظم.
مثل نعام جافل لم يقسم.
ينذر فيها ناذر بمنعم.
تكون ميراثا وعقدا محكم.
ليست لبعض ما قد تعلم.
وهي بين الفرث والدم.
قال ابن إسحاق: فزعموا أن عبد المطلب حنى قيل له ذلك قال وأين هي ؟ قيل له عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا.
فالله أعلم أي ذلك كان.
قال فغلبا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره.
زاد الاموي ومولاه أصرم فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين أساف ونائلة اللذين كانت قريش تنحر عندهما فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش وقالت والله لا نتركنك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث: زد عني حتى أحفر فوالله لامضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدا له الطمى فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالتين من ذهب اللتين كانت جرهم قد دفنتهما ووجد فيها أسيافا قلعية وأدرعا.
فقالت له قريش: يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق قال لا ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا وكيف نصنع قال اجعل للكعبة قدحين ولي قدحين ولكم قدحين فمن
خرج قدحاه على شئ كان له ومن تخلف قدحاه فلا شئ له.
قالوا: أنصفت فجعل للكعبة قدحين أصفرين وله أسودين ولهم أبيضين ثم أعطوا القداح للذي يضرب عند هبل وهبل أكبر أصنامهم ولهذا قال أبو سفيان يوم أحد: أعل هبل.
يعني هذا الصنم.
وقام عبد المطلب يدعو الله.
وذكر يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق أن عبد المطلب جعل يقول: اللهم أنت الملك المحمود * ربي أنت المبدئ المعيد وممسك الراسية الجلمود * من عندك الطارف والتليد
(2/304)

إن شئت ألهمت كما تريد * لموضع الحلية والحديد فبين اليوم لما تريد * إني نذرت العاهد المعهودا أجعله رب لي فلا أعود قال وضرب صاحب القداح فخرج الاصفران على الغزالين للكعبة، وخرج الاسودان على الاسياف والادراع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش.
فضرب عبد المطلب الاسياف بابا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب فكان أول ذهب حلية للكعبة فيما يزعون.
ثم أن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج وذكر ابن إسحاق وغيره أن مكة كان فيها أبيار كثيرة قبل ظهور زمزم في زمن عبد المطلب ثم عددها ابن إسحاق وسماها وذكر أماكنها من مكة وحافريها إلى أن قال فعفت زمزم على البئار كلها وانصرف الناس كلهم إليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه ولانها بئر اسماعيل بن إبراهيم وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب.
وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث إسلام أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زمزم: إنها لطعام طعم.
وشفاء سقم.
وقال الامام أحمد حدثنا عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب منه.
وقد رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن المؤمل وقد تكلموا فيه ولفظه ماء زمزم لما شرب له.
ورواه سويد بن سعيد عن عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له.
ولكن سويد بن سعيد ضعيف والمحفوظ عن ابن المبارك عن عبد الله بن المؤمل كما تقدم وقد رواه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا ماء زمزم لما شرب له وفيه نظر والله أعلم.
وهكذا روى ابن ماجه أيضا والحاكم عن أبن عباس أنه قال لرجل إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم.
وقد ذكر عن عبد المطلب أنه قال: اللهم إني لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل.
وقد ذكره بعض الفقهاء عن العباس بن عبد المطلب، والصحيح أنه عن عبد المطلب نفسه فإنه هو الذي جدد حفر زمزم كما قدمنا والله أعلم.
وقد قال الاموي في مغازيه: حدثنا أبو عبيد أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن حرملة سمعت سعيد بن المسيب يحدث أن عبد المطلب بن هاشم حين احتفر زمزم.
قال: لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل.
وذلك أنه جعل لها حوضين حوضا للشرب، وحوضا للوضوء.
فعند ذلك قال: لا أحلها لمغتسل لينزه المسجد عن أن يغتسل فيه.
قال أبو عبيد قال الاصمعي: قوله وبل اتباع قال أبو عبيد والاتباع لا يكون بواو العطف وإنما هو كما قال معتمر بن سليمان أن بل بلغة حمير مباح ثم قال أبو عبيد حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود أنه سمع زرا أنه سمع العباس يقول: لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل.
وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن علقمة أنه سمع ابن عباس
(2/305)

يقول ذلك وهذا صحيح اليهما، وكأنهما يقولان ذلك في أيامهما على سبيل التبليغ والاعلام بما اشترطه عبد المطلب عند حفره لها فلا ينافي ما تقدم والله أعلم.
وقد كانت السقاية إلى عبد المطلب أيام حياته ثم صارت إلى ابنه أبي طالب مدة ثم اتفق أنه أملق في بعض السنين فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف إلى الموسم الآخر وصرفها أبو طالب في الحجيج في عامه فيما يتعلق بالسقاية فلما كان العام المقبل لم يكن مع أبي طالب شئ فقال لاخيه العباس أسلفني أربعة عشر ألفا أيضا إلى العام المقبل أعطيك جميع مالك فقال له العباس: بشرط إن لم تعطني تترك السقاية لي أكفكها
فقال: نعم فلما جاء العام الآخر لم يكن مع أبي طالب ما يعطي العباس فترك له السقاية فصارت إليه ثم من بعده صارت إلى عبد الله ولده ثم إلى علي بن عبد الله بن عباس ثم إلى داود بن علي ثم إلى سليمان بن علي ثم إلى عيسى بن علي ثم أخذها المنصور واستناب عليها مولاه أبا رزين ذكره الاموي.
نذر عبد المطلب ذبح ولده قال ابن إسحاق: وكان عبد المطلب فيما يزعمون نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة.
فلما تكامل بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه وهم: الحارث.
والزبير.
وحجل.
وضرار.
والمقوم.
وأبو لهب.
والعباس.
وحمزة.
وأبو طالب.
وعبد الله.
جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله عزوجل بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع ؟ قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني ففعلوا ثم أتوه، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكان عند هبل قداح سبعة وهي الازلام التي يتحاكمون إليها إذا أعضل عليهم أمر من عقل أو نسب أو أمر من الامور جاؤوه فاستقسموا بها فما أمرتهم به أو نهتهم عنه امتثلوه.
والمقصود أن عبد المطلب لما جاء يستقسم بالقداح عند هبل خرج القدح على ابنه عبد الله وكان أصغر ولده وأحبهم إليه، فأخذ عبد المطلب بيد أبنه عبد الله وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى أساف ونائلة ليذبحه فقامت إليه قريش من انديتها فقالوا: ما تريد يا عبد المطلب ؟ قال اذبحه فقالت له قريش وبنوه أخوة عبد الله والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجئ بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا.
وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن العباس هو الذي اجتذب عبد الله من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه فيقال إنه شج وجهه شجا لم يزل في وجهه إلى أن مات ثم أشارت قريش على عبد المطلب أن يذهب إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع فيسألها عن ذلك ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه فاذبحه وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته فانطلقوا حتى أتوا المدينة فوجدوا العرافة وهي سجاح فيما ذكره
يونس بن بكير عن ابن إسحاق بخيبر فركبوا حتى جاؤوها فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه فقالت لهم ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها فلما خرجوا قام
(2/306)

عبد المطلب يدعو الله ثم غدوا عليها فقالت لهم قد جاءني الخبر، كم الدية فيكم ؟ قالوا عشر من الابل وكانت كذلك قالت فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الابل ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الابل حتى يرضى ربكم وإن خرجت على الابل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم فخرجوا حتى قدموا مكة فلما اجمعوا على ذلك الامر قام عبد المطلب يدعو الله ثم قربوا عبد الله وعشرا من الابل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا فلم يزالوا يزيدون عشرا عشرا ويخرج القدح على عبد الله حتى بلغت الابل مائة.
ثم ضربوا فخرج القدح على الابل فقالت عند ذلك قريش لعبد المطلب وهو قائم عند هبل يدعو الله قد انتهى رضى ربك يا عبد المطلب.
فعندها زعموا أنه قال لا حتى اضرب عليها بالقداح ثلاث مرات فضربوا ثلاثا ويقع القدح فيها على الابل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها انسان ولا يمنع.
قال ابن هشام ويقال ولا سبع وقد روى أنه لما بلغت الابل مائة خرج على عبد الله أيضا فزادوا مائة أخرى حتى بلغت مائتين فخرج القدح على عبد الله فزادوا مائة أخرى فصارت الابل ثلاثمائة.
ثم ضربوا فخرج القدح على الابل فنحرها عند ذلك عبد المطلب والصحيح الاول والله أعلم.
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن ابن عباس سألته امرأة أنها نذرت ذبح ولدها عند الكعبة فأمرها بذبح مائة من الابل وذكر لها هذه القصة عن عبد المطلب.
وسألت عبد الله بن عمر فلم يفتها بشئ بل توقف.
فبلغ ذلك مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة فقال إنهما لم يصيبا الفتيا ثم أمر المرأة أن تعمل ما استطاعت من خير ونهاها عن ذبح ولدها ولم يأمرها بذبح الابل، وأخذ الناس بقول مروان بذلك والله أعلم.
تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله من آمنة بنت وهب الزهرية قال ابن إسحاق: ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد ابنه عبد الله فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وهي أم قتال أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهي عند الكعبة فنظرت إلى وجهه فقالت أين تذهب يا عبد الله ؟ قال مع أبي قالت لك مثل الابل التي نحرت عنك وقع على الآن.
قال أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه فخرج به عبد المطلب حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو يومئذ سيد بني زهرة سنا وشرفا فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يومئذ سيدة نساء قومها فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها فحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها مالك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت بالامس ؟ قالت له فارقك النور الذي كان معك بالامس فليس لي بك حاجة.
وكانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب - أنه كائن في هذه الامة نبي
(2/307)

فطمعت أن يكون منها فجعله الله تعالى في أشرف عنصر وأكرم محتد وأطيب أصل كما قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) وسنذكر المولد مفصلا ومما قالت أم قتال بنت نوفل من الشعر تتأسف على ما فاتها من الامر الذي رامته وذلك فيما رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رحمه الله: عليك بآل زهرة حيث كانوا * وآمنة التي حملت غلاما ترى المهدي حين نزا عليها * ونورا قد تقدمه أماما إلى أن قالت: فكل الخلق يرجوه جميعا * يسود الناس مهتديا إماما يراه الله من نور صفاه * فأذهب نوره عنا الظلاما وذلك صنع ربك إذ حباه * إذا ما سار يوما أو أقاما
فيهدي أهل مكة بعد كفر * ويفرض بعد ذلكم الصياما وقال أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي: حدثنا علي بن حرب حدثنا محمد بن عمارة القرشي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه مر به على كاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الكتب، يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت يافتى هل لك أن تفع علي الآن وأعطيك مائة من الابل ؟ فقال عبد الله: أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه فكيف بالامر الذي تبغينه * يحمي الكريم عرضه ودينه ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فأقام عندها ثلاثا.
ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته إليه الكاهنة فأتاها فقالت: ما صنعت بعدي ؟ فأخبرها.
فقالت والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون في.
وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد.
ثم أنشأت فاطمة تقول: إني رأيت مخيلة لمعت * فتلالات بحناتم القطر فلمأتها نورا يضئ له * ما حوله كإضاءة البدر ورجوتها فخرا أبوء به * ما كل قادح زنده يوري لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما استلبت وما تدري وقالت فاطمة أيضا: بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتركان كما غادر المصباح عند خموده * فتائل قد ميثت له بدهان
(2/308)

وما كل ما يحوي الفتى من تلاده * بحزم ولا ما فاته لتواني فأجمل إذا طالبت أمرا فانه * سيكفيكه جدان يعتلجان
سيكفيكه إما يد مقفللة * وإما يد مبسوطة ببنان ولما حوت منه أمينة ما حوت * حوت منه فخرا ما لذلك ثان وروى الامام أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن جعفر عن ابن عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس قال إن عبد المطلب قدم اليمن في رحلة الشتاء فنزل على حبر من اليهود قال فقال لي رجل من أهل الديور - يعني أهل الكتاب يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك ؟ قال نعم إذا لم يكن عورة.
قال ففتح إحدى منخري فنظر فيه ثم نظر في الآخر فقال أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الاخرى نبوة وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك ؟ قلت لا أدري قال هل لك من شاغة ؟ قلت وما الشاغة ؟ قال زوجة.
قلت أما اليوم فلا قال فإذا رجعت فتزوج فيهم.
فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فولدت حمزة وصفية ثم تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش حين تزوج عبد الله بآمنة فلج أي فاز وغلب عبد الله على أبيه عبد المطلب.
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) ولما سأل هرقل ملك الروم لابي سفيان تلك الاسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام قال: كيف نسبه فيكم ؟ قال: هو فينا ذو نسب.
قال كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها، يعني في أكرمها أحسابا وأكثرها قبيلة صلوات الله عليهم أجمعين.
فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة.
أبو القاسم.
وأبو إبراهيم.
محمد.
وأحمد.
والماحي الذي يمحى به الكفر.
والعاقب الذي ما بعده نبي.
والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه.
والمقفي.
ونبي الرحمة.
ونبي التوبة.
ونبي الملحمة.
وخاتم النبيين.
والفاتح.
وطه.
ويس.
وعبد الله.
قال البيهقي (1): وزاد بعض العلماء فقال سماه الله في القرآن رسولا.
نبيا.
أمينا (2)
__________
(1) دلائل النبوة ج 1 / 160.
(2) كذا في الاصل، والصواب كما في البيهقي: أميا.
[ * ]
(2/309)

شاهدا.
مبشرا.
نذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
ورؤوفا رحيما.
ومذكرا.
وجعله رحمة ونعمة وهاديا (1).
وسنورد الاحاديث المروية في أسمائه عليه الصلاة والسلام في باب نعقده بعد فراغ السيرة.
فإنه قد وردت أحاديث كثيرة في ذلك اعتنى بجمعها الحافظان الكبيران أبو بكر البيهقي وأبو القاسم بن عساكر وأفرد الناس في ذلك مؤلفات حتى رام بعضهم أن يجمع له عليه الصلاة والسلام ألف اسم.
وأما الفقيه الكبير أبو بكر بن العربي المالكي شارح الترمذي بكتابه الذي سماه لاحوذي فانه ذكر من ذلك أربعة وستين اسما والله أعلم.
وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب وهو الذبيح الثاني المفدى بمائة من الابل كما تقدم.
قال الزهري: وكان أجمل رجال قريش وهو أخو الحارث والزبير وحمزة وضرار وأبي طالب - واسمه عبد مناف - وأبي لهب - واسمه عبد العزى - والمقوم - واسمه عبد الكعبة - وقيل هما اثنان وحجل واسمه المغيرة والغيداق وهو كبير الجود - واسمه نوفل - ويقال إنه حجل.
فهؤلاء أعمامه عليه الصلاة والسلام.
وعماته ست وهن أروى.
وبرة.
وأميمة.
وصفية.
وعاتكة.
وأم حكيم - وهي البيضاء - وسنتكلم على كل منهم فيما بعد إن شاء الله تعالى.
كلهم أولاد عبد المطلب - واسمه شيبة - يقال لشيبة كانت في رأسه ويقال له شيبة الحمد لجوده.
وإنما قيل له عبد المطلب لان أباه هاشما لما مر بالمدينة في تجارته إلى الشام نزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن خداش بن خندف (2) بن عدي بن النجار الخزرجي النجاري وكان سيد قومه فأعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها فزوجها منه واشترط عليه مقامها عنده وقيل بل اشترط عليه أن لا تلد إلا عنده
بالمدينة فلما رجع من الشام بنى بها وأخذها معه إلى مكة فلما خرج في تجارة أخذها معه وهي حبلى فتركها بالمدينة ودخل الشام فمات بغزة ووضعت سلمى ولدها فسمته شيبة فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار سبع سنين (3) ثم جاء عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه خفية من أمه فذهب به إلى مكة.
فلما رآه الناس ورأوه على الراحلة قالوا من هذا معك ؟ فقال عبدي ثم جاؤوا فهنأوه به وجعلوا يقولون له عبد المطلب لذلك فغلب عليه وساد في قريش سيادة عظيمة وذهب بشرفهم ورآستهم.
فكان جماع أمرهم عليه وكانت إليه السقاية والرفادة بعد المطلب وهو الذي جدد حفر زمزم بعدما كانت مطمومة من عهد جرهم وهو أول من طلى الكعبة بذهب في أبوابها من تينك
__________
(1) زاد البيهقي: ونذيرا مبينا وسماه عبدا.
(2) في الطبري: جندب.
وفي الجمهرة اتفق مع ابن هشام: ابن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
(3) في الطبري زاد: أو ثماني سنين.
[ * ]
(2/310)

الغزالتين اللتين من ذهب وجدهما في زمزم مع تلك الاسياف القلعية (1).
قال ابن هشام: وعبد المطلب أخو أسد وفضلة (2) وأبي صيفي وحية وخالدة ورقية والشفاء وضعيفة.
كلهم أولاد هاشم واسمه عمرو وإنما سمي هاشما لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في سني المحل كما قال مطرود بن كعب الخزاعي في قصيدته وقيل (3) للزبعرى والد عبد الله: عمرو الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف سنت إليه الرحلتان كلاهما * سفر الشتاء ورحلة الاصياف وذلك لانه أول من سن رحلتي الشتاء والصيف وكان أكبر ولد أبيه.
وحكى ابن جرير أنه كان تؤام أخيه عبد شمس وأن هاشما خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس فما تخلصت حتى سال بينهما دم فقال الناس (4) بذلك يكون بين أولادهما حروب فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة.
وشقيقهم الثالث المطلب وكان المطلب أصغر ولد أبيه وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال.
ورابعهم نوفل من أم أخرى وهي واقدة بنت عمرو المازنية
وكانوا قد سادوا قومهم بعد أبيهم وصارت إليهم الرياسة وكان يقال لهم المجيرون (5) وذلك لانهم أخذوا لقومهم قريش الامان من ملوك الاقاليم ليدخلوا في التجارات إلى بلادهم فكان هاشم قد أخذ أمانا من ملوك الشام والروم وغسان وأخذ لهم عبد شمس من النجاشي الاكبر ملك الحبشة، وأخد لهم نوفل من الاكاسرة، وأخذ لهم المطلب أمانا من ملوك حمير.
ولهم يقول الشاعر: يا أيها الرجل المحول رحله * ألا نزلت بآل عبد مناف وكان إلى هاشم السقاية والرفادة بعد أبيه، وإليه وإلى أخيه المطلب نسب ذوي القربى، وقد كانوا شيئا واحدا في حالتي الجاهلية والاسلام لم يفترقوا، ودخلوا معهم في الشعب، وانخذل عنهم بنو عبد شمس ونوفل.
ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته: جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * عقوبة شر عاجلا غير آجل ولا يعرف بنو أب تباينوا في الوفاة مثلهم، فإن هاشما مات بغزة من أرض الشام، وعبد
__________
(1) تقدم التعليق على ذلك في الحرب بين جرهم وخزاعة، واعتكاف عمرو بن الحارث بن مضاض قومه والقتال إلى جانبهم..فليراجع.
(2) كذا في الاصل وفي ابن هشام وجمهرة أنساب العرب: نضلة.
(3) في الطبري قال الكلبي للزبعرى.
(4) في الطبري: فتطير من ذلك فقيل تكون بينهما دماء.
وعنده في رواية أخرى أن عبد شمس هو أكبر ولد عبد مناف.
وفي جمهرة الانساب: كان هاشم وعبد مناف توأمين وخرج عبد شمس في الولادة قبل هاشم.
(5) عند الطبري: فكانوا أول من أخد لقريش العصم فانتشروا من الحرم.
وفي الطبري وابن الاثير: المجيرون = المخيرون.
[ * ]
(2/311)

شمس مات بمكة (1)، ونوفل مات بسلامان من أرض العراق، ومات المطلب - وكان يقال له القمر لحسنه - بريمان من طريق اليمن.
فهؤلاء الاخوة الاربعة المشاهير وهم هاشم، وعبد شمس،
ونوفل، والمطلب.
ولهم أخ خامس ليس بمشهور وهو أبو عمرو واسمه عبد، وأصل اسمه عبد قصي (2).
فقال الناس عبد بن قصي درج ولا عقب له.
قاله الزبير بن بكار وغيره.
وأخوات ست وهن: تماضر، وحية، وريطة، وقلابة، وأم الاخثم، وأم سفيان.
كل هؤلاء أولاد عبد مناف ومناف اسم صنم وأصل اسم عبد مناف المغيرة.
وكان قد رأس في زمن والده، وذهب به الشرف كل مذهب.
وهو أخو عبدالدار الذي كان أكبر ولد أبيه وإليه أوصي بالمناصب كما تقدم وعبد العزى وعبد وبرة وتخمر وأمهم كلهم حبى بنت حليل بن حبشي (3) بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى وأبوها آخر ملوك خزاعة وولاة البيت منهم، وكلهم أولاد قصي واسمه زيد.
وإنما سمي بذلك لان أمه تزوجت بعد أبيه بربيعة بن حزام بن عذرة فسافر بها إلى بلاده وابنها صغير فسمي قصيا لذلك.
ثم عاد إلى مكة وهو كبير ولم شعث قريش وجمعها من متفرقات البلاد، وأزاح يد خزاعة عن البيت، وأجلاهم عن مكة ورجع الحق إلى نصابه وصار رئيس قريش على الاطلاق وكانت إليه الوفادة (4) والسقاية - وهو سنها - والسدانة والحجابة واللواء وداره دار الندوة كما تقدم بسط ذلك كله - ولهذا قال الشاعر: قصي، لعمري كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر وهو أخو زهرة كلاهما ابنا كلاب أخي تيم ويقظة أبي مخزوم ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي وهصيص وهم أبناء كعب وهو الذي كان يخطب قومه كل جمعة ويبشرهم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد في ذلك أشعارا كما قدمنا، وهو أخو عامر وسامة وخزيمة وسط والحارث وعوف سبعتهم أبناء لؤي أخي تيم الادرم وهما أبناء غالب أخي الحارث ومحارب ثلاثتهم أبناء فهر، وهو أخو الحارث وكلاهما ابن مالك.
وهو أخو الصلت ويخلد، وهم بنو النضر الذي إليه جماع قريش: على الصحيح كما قدمنا الدليل عليه، وهو أخو مالك وملكان وعبد مناة وغيرهم كلهم أولاد كنانة أخي أسد وأسدة والهون أولاد خزيمة، وهو أخو هذيل وهما ابنا مدركة - واسمه عمرو أخو طابخة واسمه عامر وقمعة ثلاثتهم أبناء الياس وأخي الياس هون غيلان والد فيس كلها وهما ولدا مضر أخي
__________
(1) في ابن الاثير: وقبر بأجياد.
ونوفل مات بسلمان من طريق العراق.
المطلب بردمان من أرض اليمن.
(2) لم يذكره ابن هشام في أولاد عبد مناف بل ذكره وكذلك الطبري في أولاد قصي، وذكر أنه لم يعقب انظر جمهرة أنساب العرب، وزاد ابن هشام اسم أبي عمرو من أولاد عبد مناف.
(3) كذا في الاصول والصواب حبشية (الطبري - ابن هشام).
(4) كذا في الاصول وفادة والصواب الرفادة وقد وردت كثيرا (الطبري - ابن هشام).
[ * ]
(2/312)

ربيعة.
ويقال لهما الصريحان من ولد إسماعيل وأخواهما أنمار وإياد تيامنا، اربعتهم ابناء نزار أخي قضاعة - في قول طائفة ممن ذهب إلى أن قضاعة حجازية عدنانية - وقد تقدم بيانه كلاهما أبناء معد بن عدنان.
وهدا النسب بهده الصفة لا خلاف فيه بين العلماء فجميع قبائل عرب الحجاز ينتهون إلى هذا النسب ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1) لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم.
وصدق ابن عباس رضي الله عنه فيما قال وأزيد مما قال، وذلك أن جميع قبائل العرب العدنانية تنتهي إليه بالآباء وكثير منهم بالامهات أيضا كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره في أمهاته وأمهات آبائه وأمهاتهم ما يطول ذكره.
وقد حرره ابن إسحاق رحمه الله والحافظ ابن عساكر.
وقد ذكرنا في ترجمة عدنان نسبه وما قيل فيه وأنه من ولد إسماعيل لا محالة وإن اختلف في كم بينهما أبا (2) ؟ على أقوال قد بسطناها فيما تقدم والله أعلم.
وقد ذكرنا بقية النسب من عدنان إلى آدم وأوردنا قصيدة أبي العباس الناشئ المتضمنة ذلك، كل ذلك في أخبار عرب الحجاز ولله الحمد.
وقد تكلم الامام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في أول تاريخه (3) على ذلك كلاما مبسوطا جيدا محررا نافعا.
وقد ورد حديث في انتسابه عليه السلام إلى عدنان وهو على المنبر ولكن الله أعلم
بصحته، كما قال الحافظ أبو بكر البيهقي (4) أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقرئ - ببغداد - حدثنا أبو عيسى بكار بن أحمد بن بكار [ قال ] حدثنا أبو جعفر أحمد بن موسى بن سعد (5) - املاء سنة ست وتسعين ومائتين -، [ قال ]: حدثنا أبو جعفر محمد بن أبان القلانسي [ قال ]: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي [ قال ] حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري عن أنس [ بن مالك ] وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
قال (6): بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجالا من كندة يزعمون أنهم منه وأنه منهم فقال: " إنما كان يقول ذلك: العباس، وأبو سفيان بن حرب [ إذا قدما المدينة ليأمنا ] فيأمنا بذلك.
وإنا لن ننتفي من
__________
(1) سورة الشورى الآية: 23 (2) كذا بالاصول والصواب: كم أب بينهما.
(3) راجع الطبري بداية الجزء الثاني.
(4) دلائل النبوة ج 1 / 174 وفيه: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن حفص وصحح الحديث من الدلائل.
(5) في البيهقي: سعيد.
(6) في البيهقي: قالا: [ * ]
(2/313)

بائنا، نحن بنو النضر بن كنانة ": قال: وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أنا محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نذار (1) وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرها (2) فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شئ من عهر الجاهلية.
وخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم، حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا، وخيركم أبا " وهذا حديث غريب جدا من حديث مالك.
تفرد به القدامي (3) وهو ضعيف.
ولكن سنذكر له شواهد من وجوه أخر.
فمن ذلك قوله: " خرجت من نكاح لا من سفاح " قال عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن
أبيه أبي جعفر الباقر في قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) قال لم يصبه شئ من ولادة الجاهلية قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح " وهذا مرسل جيد.
وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني عن يحيى بن أبي بكير عن عبد الغفار بن القاسم عن جعفر بن محمد عن أبيه.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أخرجني من النكاح ولم يخرجني من السفاح " وقد رواه ابن عدي موصولا فقال حدثنا أحمد بن حفص حدثنا محمد بن أبي عمرو العدني المكي حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال أشهد على أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شئ " هذا غريب من هذا الوجه ولا يكاد يصح.
وقال هشيم حدثنا المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ولدني من نكاح أهل الجاهلية شئ، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الاسلام " وهذا أيضا غريب أورده الحافظ ابن عساكر ثم أسنده من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف والله أعلم.
وقال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله بن مسلم عن عمه الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولدت من نكاح غير سفاح " ثم أورد ابن عساكر من حديث أبي عاصم عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وتقلبك في الساجدين) قال من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا.
ورواه عن عطاء.
وقال محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية.
__________
(1) في البيهقي: نزار.
(2) في البيهقي: خيرهما.
(3) القدامي من أهل المصيصة كان يقلب الاخبار، قلب على مالك أكثر من مائة حديث وخمسين حديثا ذكره ابن حبان في المجروحين 2 / 39 ولم يرد ذكره في ثقات العجلي، له ترجمة في تقريب التهذيب، ابن الربيع الكرماني أبو عبد الرحمن، ثقة 1 / 446 والكاشف 2 / 112.
[ * ]
(2/314)

وثبت في صحيح البخاري (1) من حديث عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه ".
وفي صحيح مسلم (2) من حديث الاوزاعي عن شداد أبي عمار عن واثلة بن الاسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم اسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ".
وقال الامام أحمد حدثنا أبو نعيم (3) عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن المطلب بن أبي وداعة قال قال العباس بلغه صلى الله عليه وسلم بعض ما يقول الناس " فصعد المنبر فقال: من أنا ؟ " قالوا أنت رسول الله قال: " أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا.
فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا " (4) صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم الدين.
وقال يعقوب بن سفيان حدثنا عبيد الله بن موسى عن اسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يارسول الله إن قريشا إذا التقوا، لقي بعضهم بعضا بالبشاشة، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها.
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك غضبا شديدا ثم قال: " والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم الله ولرسوله " فقلت يارسول الله إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الارض.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله [ عزوجل ] يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم لما فرقهم جعلني في خيرهم قبيلة (5).
ثم حين جعل البيوت جعلني
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري في 61 كتاب المناقب (23) باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباري 6 / 566.
وفيه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري.
وأخرجه البيهقي عنه في دلائله 1 / 175.
(2) صحيح مسلم أول كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي ح 1 ص 1782.
(3) أبو نعيم وهو الفضل بن دكين.
(4) مسند أحمد ج 4 / 166 - 167 وأخرجه الترمذي في 50 كتاب المناقب - باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم 5 / 653 وقال: حديث حسن.
(5) أخرجه البيهقي بإسناده في دلائل النبوة ج 1 / 167 - 168.
في الكلام نقص واضح وتمامه من الدلائل: ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة.
وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (11) باب ح (140) ص (1 / 50) والترمذي في كتاب المناقب وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الزوائد: رجال إسناده ثقات.
[ * ]
(2/315)

في خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا ".
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن ربيعة بن الحارث قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بنحو ما تقدم ولم يذكر العباس (1).
وقال يعقوب بن سفيان حدثني يحيى بن عبد الحميد حدثني قيس بن عبد الله عن الاعمش عن عليلة (2) بن ربعي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما، فذلك قوله [ تعالى ]: (وأصحاب اليمين) (3) و (أصحاب الشمال) (4)، فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثالثا، فذلك قوله [ تعالى ]: و (أصحاب الميمنة) (5) (والسابقون السابقون) (6) فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الا ثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة فذلك قوله [ تعالى ]: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (7) وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا وذلك قوله [ عزوجل ]: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (8) " فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب ".
وهذا الحديث فيه
غرابة ونكارة.
وروى الحاكم والبيهقي (9) من حديث محمد بن ذكوان خال ولد حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: إنا لقعود بفناء النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرت به امرأة، فقال بعض القوم هذه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان: مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن.
فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعرف في وجهه الغضب.
فقال: " ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إن الله خلق السماوات سبعا فاختار العلياء منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم فأنا خيار من خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم " هذا أيضا حديث غريب (10).
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا
__________
(1) أخرجه من هذا الوجه أحمد في مسنده ج 4 / 166 - 167.
(2) كذا في الاصول والصواب عباية بن ربعي.
ذكره العقيلي في الضعفاء الكبير 3 / 415.
(3) سورة الواقعة الآية 37.
(4) سورة الواقعة الآية 41.
(5) سورة الواقعة الآية 8.
(6) سورة الواقعة الآية 10.
(7) سورة الحجر الآية 13.
(8) سورة الاحزاب الآية 33.
(9) دلائل النبوة ج 1 / 171 والحاكم في المستدرك 4 / 73.
(10) سرده العقيلي في الضعفاء وقال لا يتابع عليه.
وضعف العقيلي يزيد بن عوانة.
[ * ]
(2/316)

فخر " وروى الحاكم والبيهقي أيضا (1) من حديث موسى بن عبيدة [ قال ] حدثنا عمرو بن عبد الله بن نوفل عن الزهري عن أبي أسامة أو أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال لي جبريل [ عليه السلام ] قلبت الارض من مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد، وقلبت الارض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم " قال الحافظ البيهقي وهذه الاحاديث وإن كان في رواتها من لا يحتج به فبعضها يؤكد بعضا ومعنى جميعها يرجع إلى حديث واثلة بن الاسقع [ وأبي هريرة ] والله أعلم.
قلت وفي هذا المعنى يقول أبو طالب يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها فان حصلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها وإن فخرت يوما فإن محمدا * هو المصطفى من سرها وكريمها تداعت قريش غثها وسمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها (2) وكنا قديما لا نقر ظلامة * إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها (3) ونحمي جماها كل يوم كريهة * ونضرب عن أحجارها من يرومها بنا انتعش العود الذواء وإنما * بأكنافنا تندى وتنمى أرومها (4) وقال أبو السكن زكريا بن يحيى الطائي في الجزء المنسوب إليه المشهور: حدثني عمر بن أبي زحر بن حصين، عن جده حميد بن منهب، قال: قال جدي خريم بن أوس: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه منصرفه من تبوك، فأسلمت، فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول: يارسول الله إني أريد أن أمتدحك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل، لا يفضض الله فاك، فأنشأ يقول: من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخضف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر أن * ت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صلب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق
__________
= محمد بن ذكوان اتفقوا على ضعفه، وقال البخاري منكر الحديث، وقال ابن حبان: سقط الاحتجاج به وقال
الدارقطني: ضعيف وقال أبو حاتم: منكر الحديث كثير الخطأ.
(1) دلائل النبوة ج 1 / 176 وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 217 وعزاه للطبراني في الاوسط.
(2) الغث: اللحم الضعيف، هنا استعارة لضعيف النسب.
(3) قال الله تعالى: ولا تصعر خدك للناس أي لا تميله إمالة المتكبر والمتعجرف.
(4) الاروم: الاصول، جمع أرومة.
[ * ]
(2/317)

حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت الا * رض وضاءت بنورك الافق فنحن في ذلك الضياء وفي ال * نور وسبل الرشاد نخترق وقد روى هذا الشعر لحسان بن ثابت.
فروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد: أخبرنا محمد بن أبي نصر أنا عبد السلام بن محمد بن أحمد القرشي حدثنا أبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد التميمي حدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الخراساني حدثني اسحاق بن إبراهيم بن سنان حدثنا سلام بن سليمان أبو العباس المكفوف المدائني حدثنا ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيج عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال: " كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبي نوح وقذف بي في صلب أبي إبراهيم لم يلتق أبواي على سفاح قط لم يزل الله ينقلني من الاصلاب الحسيبة إلى الارحام الطاهرة صفتي مهدي (1) لا ينشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالاسلام عهدي ونشر في التوراة والانجيل ذكري وبين كل نبي صفتي تشرق الارض بنوري والغمام بوجهي وعلمني كتابه وزادني شرفا في سمائه وشق لي اسما من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع ثم أخرجني من خير قرن لامتي، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " قال
ابن عباس فقال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم: قلبها طبت في الظلال وفي * مستودع يوم يخصف الورق ثم سكنت البلاد لا بشر أن * ت ولا نطفة ولا علق مطهر تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صلب إلى رحم * إذا مضى طبق بدا طبق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله حسانا " فقال علي بن أبي طالب وجبت الجنة لحسان ورب الكعبة ثم قال الحافظ ابن عساكر هذا حديث غريب جدا.
قلت: بل منكر جدا والمحفوظ أن هذه الابيات للعباس رضي لله عنه ثم أوردها من حديث أبي السكن زكريا بن يحيى الطائي كما تقدم.
قلت: ومن الناس من يزعم أنها للعباس بن مرداس السلمي فالله أعلم.
تنبيه: قال القاضي عياض - في كتابه الشفاء -: " وأما أحمد الذي أتى في الكتب وبشرت به الانبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله.
حتى لا يدخل لبس على
__________
(1) كذا بالاصل، وفي سيرة ابن كثير: صفيا مهذبا.
[ * ]
(2/318)

ضعيف القلب أوشك.
وكذلك محمد لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم، إلى أن شاع قبل وجوده وميلاده أن نبيا يبعث اسمه محمد.
فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم وهو (والله أعلم حيث يجعل رسالاته) وهم: محمد بن احيحة بن الجلاح الاوسي.
ومحمد بن سلمة (1) الانصاري.
ومحمد بن البراء الكندي (2).
ومحمد بن سفيان بن مجاشع.
ومحمد بن حمران الجعفي.
ومحمد بن خزاعي السلمي لا سابع لهم.
ويقال إن أول من سمى محمدا محمد بن سفيان بن مجاشع.
واليمن تقول بل محمد بن اليحمد من الازد.
ثم إن الله حمى كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها له أحد، أو يظهر عليه سبب يشكل (3) أحدا في أمره حتى تحققت الشيمتان له صلى الله عليه وسلم لم ينازع فيهما ".
هذا لفظه.
باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين.
لما رواه مسلم في صحيحه من حديث غيلان بن جرير بن (4) عبد الله بن معبد الزماني (5) عن أبي قتادة أن أعرابيا قال يارسول الله، ما تقول في صوم يوم الاثنين فقال: " ذاك يوم ولدت فيه وانزل علي فيه ".
وقال الامام أحمد (6) حدثنا وموسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الاسود يوم الاثنين.
تفرد به أحمد ورواه عمرو بن بكير عن ابن لهيعة وزاد نزلت سورة المائدة يوم الاثنين (اليوم أكملت لكم دينكم).
وهكذا رواه بعضهم عن موسى بن داود به وزاد أيضا وكانت وقعة بدر يوم الاثنين.
ممن قال هذا يزيد بن حبيب وهذا منكر جدا.
قال ابن عساكر والمحفوظ أن يدرا ونزول: (اليوم أكملت لكم دينكم) يوم الجمعة وصدق ابن عساكر.
وروى عبد الله بن عمر عن كريب عن ابن عباس ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين.
وهكذا روي من غير هذا الوجه عن ابن عباس أنه ولد يوم الاثنين.
وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين.
وأبعد بل أخطأ من قال ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع الاول نقله الحافظ ابن دحية فيما قرأه في كتاب أعلام الروى باعلام الهدى لبعض الشيعة.
ثم
__________
(1) كذا بالاصول والصواب محمد بن مسلمة.
(2) كذا بالاصول وفي سيرة ابن كثير: البكري.
(3) في سيرة ابن كثير: يشكك.
(4) كذا في الاصل ابن عبد الله وهو خطأ وعند مسلم عن عبد الله.
أخرجه مسلم في 13 كتاب الصيام 36 باب استحباب صيام ثلاثة أيام..ص 819.
(5) الزماني نسبة إلى زمان بن مالك بطن من ربيعة.
(6) مسند أحمد ج 1 / 277.
[ * ]
(2/319)

شرع ابن دحية في تضعيفه وهو جدير بالتضعيف إذ هو خلاف النص.
ثم الجمهور على أن ذلك كان في شهر ربيع الاول فقيل لليلتين خلتا منه قاله ابن عبد البر في الاستيعاب ورواه الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني.
وقيل لثمان خلون منه حكاه الحميدي عن ابن حزم.
ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير وقيل لعشر خلون منه نقله ابن دحية في كتابه ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر ورواه مجالد عن الشعبي كما مر.
وقيل لثنتي عشرة خلت منه نص عليه ابن إسحاق ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الاول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات.
وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم.
وقيل لسبع عشرة (1) خلت منه كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة.
وقيل لثمان بقين منه نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمد بن حزم عن أبيه والصحيح عن ابن حزم الاول أنه لثمان مضين منه كما نقله عنه الحميدي وهو أثبت.
والقول الثاني: إنه ولد في رمضان نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار وهو قول غريب جدا وكان مستنده أنه عليه الصلاة والسلام أوحي إليه في رمضان بلا خلاف وذلك على رأس أربعين سنة من عمره فيكون مولده في رمضان وهذا فيه نظر والله أعلم.
وقد روى خيثمة بن سليمان الحافظ عن خلف بن محمد كردوس الواسطي عن المعلى بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن جعفر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في ربيع الاول وانزلت عليه النبوة يوم الاثنين في أول شهر ربيع الاول وأنزلت عليه البقرة يوم الاثنين في ربيع الاول.
وهذا غريب جدا رواه ابن عساكر.
قال الزبير بن بكار حملت به أمه في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى.
وولد بمكة بالدار المعروفة بمحمد بن يوسف أخي
الحجاج بن يوسف لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عثمان بن عقبة بن مكرم عن المسيب بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء في المحرم وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من عزوة أصحاب الفيل.
وذكر غيره أن الخيزران وهي أم هارون الرشيد لما حجت أمرت ببناء هذه الدار مسجدا.
فهو يعرف بها اليوم.
وذكر السهيلي أن مولده عليه الصلاة والسلام كان في العشرين من نيسان.
وهذا أعدل الزمان والفصول وذلك لسنة اثنتين وثمانين وثمانمائة لذي القرنين فيما ذكر أصحاب الزيج.
وزعموا أن الطالع كان لعشرين درجة من الجدى وكان المشتري وزحل مقترنين في ثلاث درج من العقرب وهي درجة وسط السماء.
وكان
__________
(1) في الاصل لسبعة عشر، وهو خطأ.
[ * ]
(2/320)

موافقا من البروج الحمل وكان ذلك عند طلوع القمر أول الليل نقله كله ابن دحية والله أعلم.
قال ابن إسحاق: وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل وهذا هو المشهور عن الجمهور.
قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: وهو الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا أنه عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل.
وقد رواه البيهقي من حديث أبي اسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وقال محمد بن إسحاق حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، كنا لدين.
قال وسأل عثمان رضي الله عنه قباث بن اشيم أخا بني يعمر بن ليث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد.
ورأيت خزق الفيل أخضر محيلا.
ورواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق به.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام عكاظ ابن عشرين سنة.
وقال ابن إسحاق: كان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة.
وكان بناء الكعبة بعد الفجار
بخمسة عشر سنة، والمبعث بعد بنائها بخمس سنين.
وقال محمد بن جبير بن مطعم ": كانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبناء الكعبة بعد عكاظ بعشر سنين، والمبعث بعد بنائها بخمس عشرة سنة.
وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد العزيز بن أبي ثابت المديني [ قال ] حدثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان، يقول لقباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن [ منه ].
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محبلا أعقله.
وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة.
وقال يعقوب بن سفيان حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير [ قال ] حدثنا نعيم يعني ابن ميسرة - عن بعضهم عن سويد بن غفلة أنه قال: أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت عام الفيل.
قال البيهقي وقد روي عن سويد بن غفلة أنه قال أنا أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين.
قال يعقوب وحدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت حدثني عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان النوفلي عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم.
قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وكانت بعده عكاظ بخمس عشرة سنة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل.
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل على قول الجمهور فقيل بعده بشهر، وقيل بأربعين يوما، وقيل بخمسين يوما - وهو أشهر - وعن أبي جعفر الباقر كان قدوم الفيل للنصف من المحرم، ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة، وقال آخرون بل كان عام الفيل قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين.
قاله ابن أبزى.
وقيل بثلاث وعشرين سنة رواه شعيب بن
(2/321)

شعيب عن أبيه عن جده كما تقدم وقيل بعد الفيل بثلاثين سنة.
قاله موسى بن عقبة عن الزهري رحمه الله.
واختاره موسى بن عقبة أيضا رحمه الله.
وقال أبو زكريا العجلاني: بعد الفيل بأربعين عاما، رواه ابن عساكر وهذا غريب جدا، وأغرب منه ما قال خليفة بن خياط حدثني شعيب بن حبان عن عبد الواحد بن أبي عمرو عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: ولد
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفيل بخمس عشرة سنة وهذا حديث غريب ومنكر وضعيف أيضا، قال خليفة بن خياط والمجتمع عليه أنه عليه السلام ولد عام الفيل.
صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام قد تقدم أن عبد المطلب لما ذبح تلك الابل المائة عن ولده عبد الله حين كان نذر ذبحه فسلمه الله تعالى لما كان قدر في الازل من ظهور النبي الامي صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وسيد ولد آدم من صلبه، فذهب كما تقدم فزوجه أشرف عقيلة في قريش آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهرية، فحين دخل بها وأفضى إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت أم قتال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل توسمت ما كان بين عيني عبد الله قبل أن يجامع آمنة من النور، فودت أن يكون ذلك متصلا بها لما كانت تسمع من أخيها من البشارات بوجود محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أزف زمانه فعرضت نفسها عليه.
قال بعضهم ليتزوجها وهو أظهر والله أعلم، فامتنع عليها فلما انتقل ذلك النور الباهر إلى آمنة بمواقعته إياها كأنه تندم على ما كانت عرضت عليه.
فتعرض لها لتعاوده.
فقالت لا حاجة لي فيك وتأسفت على ما فاتها من ذلك وأنشدت في ذلك ما قدمناه من الشعر الفصيح البليغ.
وهذه الصيانة لعبد الله ليست له وإنما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كما قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) وقد تقدم الحديث المروي من طريق جيد أنه قال عليه الصلاة والسلام: " ولدت من نكاح لا من سفاح ".
والمقصود أن أمه حين حملت به توفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه على المشهور.
قال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر - هو الواقدي - حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي.
وحدثنا سعيد بن أبي زيد عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة.
قال: خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزة في عير من عيران قريش يحملونه تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض، فقال أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن ابنه عبد الله فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض.
فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث.
فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجدا شديدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حمل.
ولعبد الله بن عبد المطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة
(2/322)

قال الواقدي: هذا هو أثبت الاقاويل في وفاة عبد الله وسنه عندنا.
قال الواقدي: وحدثني معمر عن الزهري أن عبد المطلب بعث عبد الله إلى المدينة يمتار لهم تمرا فمات.
قال محمد بن سعد وقد أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن عوانة بن الحكم.
قالا: توفي عبد الله بن عبد المطلب بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرين شهرا، وقيل سبعة أشهر.
وقال محمد بن سعد: والاول أثبت أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل.
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن عن عبد السلام عن ابن خربوذ.
قال: توفي عبد الله بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهرين، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين، ومات جده وهو ابن ثمان سنين، فأوصى به إلى عمه أبي طالب.
والذي رجحه الواقدي وكاتبه الحافظ محمد بن سعد أنه عليه الصلاة والسلام توفي أبوه وهو جنين في بطن أمه وهذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه.
وقد تقدم في الحديث " ورؤيا أمي الذي رأت حين حمل بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " وقال محمد بن إسحاق فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الامة، فإذا وقع إلى الارض فقولي: أعيذه بالواحد * من شر كل حاسد من كل بر عاهد * وكل عبد رائد يذود عني ذائد * فإنه عند الحميد الماجد حتى أراه قد أتى المشاهد وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملا قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدا.
فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الارض، واسمه في الانجيل أحمد يحمده أهل
السماء وأهل الارض، واسمه في القرآن محمد.
وهذا وذاك يقتضي أنها رأت حين حملت به عليه السلام كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام.
ثم لما وضعته رأت عيانا تأويل ذلك كما رأته قبل ذلك هاهنا والله أعلم.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا محمد بن عمر - هو الواقدي - حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري.
وقال الواقدي: حدثنا موسى بن عبدة عن أخيه ومحمد بن كعب القرظي.
وحدثني عبد الله بن جعفر الزهري عن عمته أم بكر بنت المسود عن أبيها.
وحدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم المزني وزياد بن حشرج عن أبي وجزة.
وحدثنا معمر عن أبي نجيح عن مجاهد.
وحدثنا طلحة بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس: دخل حديث بعضهم في حديث بعض.
أن آمنة بنت وهب قالت لقد علقت به - تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق إلى المغرب، ثم وقع إلى الارض معتمدا على يديه، ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء.
وقال بعضهم وقع جاثيا على ركبتيه، وخرج معه نور
(2/323)

ضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رؤيت أعناق الابل ببصرى، رافعا رأسه إلى السماء.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا محمد بن إسماعيل [ قال ] أنبأنا محمد بن إسحاق حدثنا يونس بن مبشر بن الحسن [ قال ] حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، [ قال ] حدثنا عبد العزيز بن عمران حدثنا عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن أبي سويد الثقفي عن عثمان بن أبي العاص، [ قال ]: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته، قالت فما شئ أنظره في البيت إلا نور، وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لاقول ليقعن علي.
وذكر القاضي عياض عن الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف أنها كانت قابلته وأنها أخبرت به حين سقط على يديها واستهل سمعت قائلا يقول يرحمك الله، وإنه سطع منه نور رئيت منه قصور الروم.
قال محمد بن إسحاق: فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها - وقد هلك أبوه وهي حبلى ويقال إن عبد الله هلك والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمانية وعشرين شهرا فالله أعلم أي ذلك كان - فقالت قد ولد لك غلام فانظر إليه، فلما جاءها أخبرته وحدثته بما كانت رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت أن تسميه.
فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقال عبد المطلب يدعو ويشكر الله عزوجل ويقول: الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الاردان قد ساد في المهد على الغلمان * أعيذه بالبيت ذي الاركان حتى يكون بلغة الفتيان * حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من كل ذي شنان * من حاسد مضطرب العنان ذي همة ليس له عينان * حتى أراه رافع اللسان أنت الذي سميت في القرآن * في كتب ثابتة المثاني * أحمد مكتوب على اللسان * وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم الدرابودي - بمرو - [ قال ]: حدثنا أبو عبد الله البوشنجي، حدثا أبو أيوب: سليمان بن سلمة الخبائري، حدثنا يونس بن عطاء بن عثمان بن ربيعة بن زياد بن الحارث الصدائي - بمصر - حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا، قال فأعجب [ به ] جده عبد المطلب وحظي عنده.
وقال: ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن.
وهذا الحديث في صحته نظر.
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من حديث سفيان بن محمد المصيصي عن هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن
(2/324)

أنس.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كرامتي على الله أني ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد ثم أورده من طريق الحسن بن عرفة عن هشيم به.
ثم أورده من طريق محمد بن محمد بن سليمان - هو
الباغندي - حدثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي حدثنا موسى بن أبي موسى المقدسي حدثني خالد بن سلمة عن نافع عن ابن عمر.
قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا.
وقال أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي حدثنا الحسين بن أحمد بن عبد الله المالكي حدثنا سليمان بن سلمة الخبائري حدثنا يونس بن عطاء حدثنا الحكم بن أبان حدثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس.
قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا، فأعجب ذلك جده عبد المطلب وحظي عنده، وقال ليكونن لابني هذا شأن، فكان له شأن.
وقد ادعى بعضهم صحته لما ورد له من الطرق حتى زعم بعضهم أنه متواتر وفي هذا كله نظر، ومعنى مختونا أي مقطوع الختان، ومسرورا أي مقطوع السرة من بطن أمه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن عيينة البصري حدثنا علي بن محمد المدائني السلمي حدثنا سلمة بن محارب بن مسلم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة أن جبريل ختن النبي صلى الله عليه وسلم حين طهر قلبه وهذا غريب جدا.
وقد روى أن جده عبد المطلب ختنه وعمل له دعوة جمع قريشا عليها والله أعلم.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأني محمد بن كامل القاضي - شفاها - أن محمد بن إسماعيل حدثه - يعني السلمي - حدثنا أبو صالح: عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح، عن أبي الحكم التنوخي، قال: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح يكفأن عليه برمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه عبد المطلب إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين ووجدنه مفتوح العينين شاخصا ببصره إلى السماء.
فأتاهن عبد المطلب، فقلن له: ما رأينا مولودا مثله، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحا عينيه شاخصا ببصره إلى السماء.
فقال: احفظنه فإني أرجو أن يكون له شأن، أو أن يصيب خيرا، فلما كان اليوم السابع ذبح عنه، ودعا له قريشا، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه، ما سميته ؟ قال سميته محمدا، قالوا فما رغبت به عن أسماء أهل بيته ؟ قال أردت أن يحمده الله [ تعالى ] في السماء وخلقه في الارض قال أهل اللغة: كل جامع لصفات الخير يسمى محمدا كما قال بعضهم:
إليك - أبيت اللعن - أعملت ناقتي * إلى الماجد القرم الكريم المحمد وقال بعض العلماء: ألهمهم الله عزوجل أن سموه محمدا لما فيه من الصفات الحميدة ليلتقي الاسم والفعل، ويتطابق الاسم والمسمى في الصورة والمعنى، كما قال عمه أبو طالب ويروى لحسان: وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(2/325)

وسنذكر أسماءه عليه الصلاة والسلام وشمائله وهي صفاته الظاهرة وأخلاقه الطاهرة ودلائل نبوته وفضائل منزلته في آخر السيرة إن شاء الله.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا احمد بن شيبان الرملي حدثنا أحمد بن إبراهيم الحبلي حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا زهير عن محارب بن دثار عن عمرو بن يثربي عن العباس بن عبد المطلب قال قلت: يارسول الله ! دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك، فحيث أشرت إليه مال.
قال: " إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء، واسمع وجبته حين يسجد تحت العرش ".
ثم قال تفرد به الليثي وهو مجهول.
فصل فيما وقع من الايات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام قد ذكرنا في باب هواتف الجان ما تقدم من خرور كثير من الاصنام ليلتئذ لوجوهها وسقوطها عن أماكنها، وما رآه النجاشي ملك الحبشة، وظهور النور معه حتى أضاءت له قصور الشام حين ولد، وما كان من سقوطه جائيا رافعا رأسه إلى السماء، وانفلاق تلك البرمة عن وجهه الكريم، وما شوهد من النور في المنزل الذي ولد فيه ودنو النجوم منهم وغير ذلك.
حكى السهيلي عن تفسير بقي بن مخلد الحافظ أن ابليس رن أربع رنات: حين لعن، وحين أهبط، وحين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين أنزلت الفاتحة.
قال محمد بن إسحاق: وكان هشام بن
عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ فقال القوم والله ما نعلمه فقال الله أكبر، أما إذا أخطأكم فلا بأس انظروا واحفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الامة الاخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس.
لا يرضع ليلتين وذلك أن عفريتا من الجن ادخل أصبعه في فمه فمنعه الرضاع فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا قد والله ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا فالتقى القوم فقالوا هل سمعتم حديث اليهودي وهل بلغكم مولد هذا الغلام ؟ فانطلقوا حتى جاؤوا اليهودي فأخبروه الخبر.
قال فاذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقالوا اخرجي إلينا ابنك فاخرجته وكشفوا له عن ظهره.
فرأى تلك الشامة.
فوقع اليهودي مغشيا عليه.
فلما أفاق قالوا له مالك ويلك ؟ قال قد ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل، فرحتم بها يا معشر قريش.
والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم عن يحيى بن عبد الرحمن بن أسعد
(2/326)

بن زرارة قال حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم عن حسان بن ثابت.
قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين - أو ثمان سنين - أعقل ما رأيت وسمعت إذا بيهودي في يثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه - وأنا أسمع - فقالوا ويلك مالك ؟ قال قد طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة.
وروى الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من حديث أبي بكر بن عبد الله العامري عن سليمان بن سحيم وذريح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سمعت أبي مالك بن سنان يقول جئت بني عبد الاشهل يوما لاتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم.
فقال له خليفة بن ثعلبة الاشهلي - كالمستهزئ به ما صفته ؟ فقال رجل ليس بالقصير ولا
بالطويل في عينيه حمرة يلبس الشملة ويركب الحمار.
سيفه على عاتقه وهذا البلد مهاجره.
قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع فأسمع رجلان منا يقول ويوشع يقول هذا وحده ! ؟ كل يهود يثرب يقولون هذا.
قال أبي مالك بن سنان فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الاحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي أو ظهوره ولم يبق أحد إلا أجمد وهذا مهاجره.
قال أبو سعيد فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أبي هذا الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أسلم الزبير لاسلم ذووه من رؤساء اليهود إنما هم له تبع " وقال أبو نعيم: حدثنا عمر بن محمد حدثنا ابراهيم بن السندي حدثنا النضر بن سلمة حدثنا إسماعيل بن قيس بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أم سعد بنت سعد بن الربيع سمعت زيد بن ثابت يقول: كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم فلما طلع الكوكب الاحمر أخبروا أنه نبي وأنه لا نبي بعده.
واسمه أحمد ومهاجره إلى يثرب فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنكروا وحسدوا وكفروا.
وقد أورد هذه القصة الحافظ أبو نعيم في كتابه من طرق أخرى ولله الحمد.
وقال أبو نعيم ومحمد بن حبان: حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد، قال قال زيد بن عمرو بن نفيل قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج في بلدك نبي - أو هو خارج - قد خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه.
ذكر ارتجاس ايوان كسرى وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب هواتف الجان: حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران - من آل جرير بن عبد الله البجلي - حدثني مخزوم بن هاني المخزومي عن أبيه - وأتت عليه خمسون ومائة سنة - قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها
(2/327)

رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره.
ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده.
قال: أتدرون فيم بعثت إليكم ؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك [ ذلك ]، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غما إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله، يقال الموبذان وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الابل، يقال أي شئ يكون هذا يا موبذان ؟ قال حدث يكون في ناحية العرب - وكان أعلمهم من انفسهم - فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر ; أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني، فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه ؟ فقال لتخبرني أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم.
فأخبره بالذي وجه به إليه فيه.
قال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال فائته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره.
فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضريح.
فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيخ جوابا فانشأ يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن * أم فاد فار لم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن * أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن * أزرق نهم الناب صرار الاذن أبيض فضفاض الرداء والبدن * رسول قيل العجم يسري للوسن يجوب بي الارض علنداة شزن * لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ترفعني وجنا وتهوي بي وجن * حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفه في الريح بوغاء الدمن * كأنما حثحث من حضني ثكن
قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبد المسيح، على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الايوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما.
يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت.
ثم قصى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول: شمر فإنك ماضي العزم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم * فإن ذا الدهر أطوار دهارير
(2/328)

فربما ربما أضحوا بمنزلة * يخاف صولهم الاسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخوته * والهرمزان وشابور وسابور والناس أولاد علات فمن علموا * أن قد أقل فمحقور ومهجور ورب قوم لهم صحبان ذي اذن * بدت تلهيهم فيه المزامير وهم بنو الام إما إن رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور والخير والشر مقرونان في قرن * فالخير متبع والشر محذور قال فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى ألى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه.
ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن محمد بن إدريس عن علي بن حرب الموصلي بنحوه.
قلت: كان آخر ملوكهم - الذي سلب منه الملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز بن هرمز بن أنوشروان وهو الذي انشق الايوان في زمانه.
وكان لاسلافه في الملك ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربعة وستون سنة.
وكان أول ملوكهم خيومرت بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح.
أما سطيح هذا فقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه هو الربيع ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن الازد.
ويقال الربيع بن مسعود وأمه ردعا بنت سعد بن الحارث الحجوري وذكر غير ذلك في نسبه.
قال وكان يسكن الجابية ثم روى عن أبى حاتم السجستاني قال سمعت المشيخة منهم أبو عبيدة وغيره قالوا وكان من بعد لقمان بن عاد.
ولد في زمن سيل العرم وعاش إلى ملك ذي نواس وذلك نحو من ثلاثين قرنا وكان مسكنه البحرين وزعمت عبد القيس أنه منهم وتزعم الازد أنه منهم وأكثر المحدثين يقولون هو من الازد ولا ندري ممن هو غير أن ولده يقولون إنه من الازد.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن شئ من بني آدم يشبه سطيحا إنما كان لحما على وضم ليس فيه عظم ولا عصب إلا في رأسه وعينيه وكفيه وكان يطوى كما يطوى الثوب من رجليه إلى عنقه.
ولم يكن فيه شئ يتحرك إلا لسانه.
وقال غيره إنه كان إذا غضب انتفخ وجلس.
ثم ذكر ابن عباس أنه قدم مكة فتلقاه جماعة من رؤسائهم منهم عبد شمس وعبد مناف أبناء قصي فامتحنوه في أشياء فأجابهم فيها بالصدق، فسألوه عما يكون في آخر الزمان.
فقال خذوا مني ومن إلهام الله إياي: أنتم الآن يا معشر العرب في زمان الهرم سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم فيكسرون الصنم، ويتبعون الردم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم.
ثم قال والباقي الابد، والبالغ الامد ليخرجن من ذا البلد، نبي مهتد، يهدي إلى الرشد، يرفض بغوث والفند، يبرأ عن عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه الله بخير دار محمودا، من الارض مفقودا، وفي
(2/329)

السماء مشهودا، ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي أمره الحنيف، مجرب غطريف، قد أضاف المضيف، وأحكم التحنيف.
ثم ذكر عثمان ومقتله وما يكون بعد ذلك من أيام بني أمية ثم بني العباس.
وما بعد ذلك من الفتن والملاحم ساقه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس بطوله.
وقد قدمنا قوله لربيعة بن نصر ملك اليمن حين أخبره برؤياه قبل أن يخبره بها ثم ما يكون في بلاد اليمن من الفتن وتغيير الدول حتى يعود إلى سيف بن ذي يزن
فقال له: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع.
قال ومن يقطعه ؟ قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي ؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر ؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الاولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون.
قال أحق ما تخبرني ؟ قال نعم والشفق والغسق والقمر إذا اتسق إن ما أنبأتك عليه لحق.
ووافقه على ذلك شق سوآ بسواء بعبارة أخرى كما تقدم.
ومن شعر سطيح قوله: عليكم بتقوى الله في السر والجهر * ولا تلبسوا صدق الامانة بالغدر وكونوا لجار الجنب حصنا وجنة * إذا ماعرته النائبات من الدهر وروى ذلك الحافظ ابن عساكر ثم أورد ذلك المعافى بن زكريا الجريري فقال: وأخبار سطيح كثيرة وقد جمعها غير واحد من أهل العلم.
والمشهور أنه كان كاهنا وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته ومبعثه.
وروى لنا بإسناد الله به أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سطيح فقال: " نبي ضيعه قومه ".
قلت: أما هذا الحديث فلا أصل له في شئ من كتب الاسلام المعهودة ولم أره بإسناد أصلا.
ويروى مثله في خبر خالد بن سنان العبسي ولا يصح أيضا وظاهر هذه العبارات تدل على علم جيد لسطيح وفيها روائح التصديق لكنه لم يدرك الاسلام كما قال الجريري.
فإنه قد ذكرنا في هذا الاثر أنه قال لابن أخته: يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطح شاما بملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه وكان ذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر - أو شية - أي أقل منه - وكانت وفاته بأطراف الشام مما يلي أرض العراق - فالله أعلم بأمره وما صار إليه.
وذكر ابن طرار الحريري أنه عاش سبعمائة سنة.
وقال غيره خمسمائة سنة، وقيل ثلاثمائة سنة فالله أعلم.
وقد روى ابن عساكر أن ملكا سأل سطيحا عن نسب غلام اختلف فيه فأخبره على الجلية في كلام طويل مليح فصيح.
فقال له الملك ياسطيح ألا تخبرني عن
علمك هذا ؟ فقال إن علمي هذا ليس مني ولا بجزم ولا بظن ولكن أخذته عن أخ لي قد سمع الوحي بطور سيناء.
فقال له أرأيت أخاك هذا الجني أهو معك لا يفارقك، فقال انه ليزول حيث أزول، ولا أنطق إلا بما يقول.
وتقدم أنه ولد هو وشق بن مصعب بن يشكر بن رهم بن بسر بن
(2/330)

عقبة الكاهن الآخر ولدا في يوم واحد، فحملا إلى الكاهنة طريفة بنت الحسين الحميدية فتفلت في أفواههما فورثا منها الكهانة وماتت من يومها.
وكان نصف إنسان ويقال إن خالد بن عبد الله القسري من سلالته، وقد مات شق قبل سطيح بدهر.
وأما عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن نفيلة الغساني النصراني فكان من المعمرين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخ وقال هو الذي صالح خالد بن الوليد على.
وذكر له معه قصة طويلة وأنه أكل من يده سم ساعة فلم يصبه سوء لانه لما أخذه قال: بسم الله وبالله رب الارض والسماء الذي لا يضر مع اسمه أذى.
ثم أكله فعلته غشية فضرب بيديه على صدره ثم عرق وأفاق رضي الله عنه وذكر لعبد المسيح أشعارا غير ما تقدم.
وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبه حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا المسيب بن شريك حدثنا محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال: كان بمر الظهران راهب من الرهبان يدعى عيصا من أهل الشام وكان متخفرا بالعاص بن وائل وكان الله قد آتاه علما كثيرا وجعل فيه منافع كثيرة لاهل مكة من طيب ورفق وعلم.
وكان يلزم صومعة له ويدخل مكة في كل سنة فيلقى الناس ويقول إنه يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة يدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه ومن أدركه واتبعه أصاب حاجته ومن أدركه فخالفه أخطأ حاجته وبالله ما تركت أرض الخمر والخمير والامن ولا حللت بأرض الجوع والبؤس والخوف إلا في طلبه وكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول ما جاء بعد.
فيقال له فصفه فيقول لا.
ويكتم ذلك للذي قد علم أنه لاق من قومه مخافة على نفسه أن يكون ذلك داعية إلى أدنى ما يكون إليه من الاذى يوما.
ولما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
عبد الله بن عبد المطلب حتى أتى عيصا فوقف في أصل صومعته ثم نادى: يا عيصاه.
فناداه من هذا ؟ فقال أنا عبد الله فأشرف عليه فقال كن أباه فقد ولد المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم الاثنين قال فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود.
قال فما سميته ؟ قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهي أن يكون هذا المولود فيكم أهل البيت لثلاث خصال نعرفه بها منها أن نجمه طلع البارحة وأنه ولد اليوم وأن اسمه محمد.
انطلق إليه فإن الذي كنت أخبركم عنه ابنك.
قال فما يدريك أنه ابني ولعله أن يولد في هذا اليوم مولود غيره ؟ قال قد وافق ابنك الاسم ولم يكن الله ليشبه علمه على العلماء فإنه حجة.
وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياما ثلاثة، فيظهر به الجوع ثلاثا ثم يعافى.
فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد أحد حسده قط ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه.
إن تعش حتى يبدو مقاله ثم يدعو لظهر لك من قومك ما لا تحتمله إلا على صبر وعلى ذلك فاحفظ لسانك ودار عنه قال فما عمره ؟ قال إن طال عمره وإن قصر لم يبلغ السبعين، يموت في وتر دونها من الستين في إحدى وستين أو ثلاث وستين في أعمار جل أمته.
قال
(2/331)

______________________________________
As Suhailiy menceritakan dari tafsir Baqi bin Mukhollid Al Hafizh bahwasanya Iblis menangis dengan keras sekali empat kali :
1. Ketika dilaknat (oleh Allah)
2. Ketika diusir
3. KETIKA RASULULLAH SHALLAAHU ‘ALAIHI WA SALLAM DILAHIRKAN
4. Ketika surat Al-Fatihah diturunkan.

(Al Bidayah wan Nihayah, Jilid 2, hal 326 Maktabah Syamilah, al-Hafidz Ibnu Katsir).

Maka Bergembiralah pada saat kelahiran Nabi Muhammad saw.
Share this post :

Post a Comment

mohon gunakan email

Terkait Berita: